للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يكن أحد يجرؤ على عدم الخضوع لقراراتها وذلك لاستنادها إلى سلطان ولى الأمر نفسه. وقد جاء في كتاب الأحكام السلطانية للماوردى في ذلك أنه إذا نظر في المظالم من انتدب لها جعل لنظره يوما معروفا يقصده فيه المتظلمون ويستكمل مجلس نظره بحضور خمسة أصناف لا يستغنى عنهم ولا ينتظم نظره إلا بهم أحدهم: الحماة والأعوان لجذب القوى وتقويم الجرئ والصنف الثاني: القضاة والحكام لاستعلام ما يثبت عندهم من الحقوق ومعرفة ما يجرى في مجالسهم بين الخصوم، والصنف الثالث: الفقهاء: ليرجع إليهم فيما أشكل ويسألهم عما اشتبه وأعضل، والصنف الرابع: الكتاب: ليثبتوا ما جرى بين الخصوم وما توجه لهم أو عليهم من الحقوق، والصنف الخامس: الشهود ليشهدهم على ما أوجبه من حق وأمضاه من حكم.

[اختصاص ديوان المظالم]

إن ما يرفع إلى ديوان المظالم من خصومات بعضه لا يحتاج إلى رفع دعوى وبعضه الآخر يتوقف النظر فيه عليها وبهذا يختلف القضاء عن النظر في المظالم إذ من المظالم ما ينظر فيه ناظرها بعد تصفحه لأحوال الرعية واتصال علمه بما وقع من ظلم لرفعه وأكثر ذلك متعلق بالنظام العام.

ومنها ما يحتاج النظر فيه إلى دعوى ترفع ومطالب تعرض. وقد أورد الماوردى في الأحكام السلطانية القضايا التي يعالجها ناظر المظالم فقسمها إلى عشرة أنواع ثلاثة منها لا يحتاج إلى متظلم أو مُدع بل يعرض لها ناظر المظالم من تلقاء نفسه والسبعة الباقية يتوقف النظر فيها إلى تظلم متظلم يتقدم بدعواه.

النوع الأول وهو ما لا يحتاج إلى متظلم يتناول.

أولا: النظر في اعتداء الولاة على الرعية وتعديهم سلطانهم وهذا من أهم ما ينظر فيه أمير المظالم فعلمه أن يتصفح سير الولاة بين الرعية وأحوالهم وأعمالهم وتصرفاتهم ويحاسبهم على التجاوز فيها. ثانيا: النظر في جور العمال فيما يجبونه من أموال وسيرهم في جبايتها بالحق حتى يتأكد أنهم قد جمعوها من غير إرهاق للناس أو إيذاء وأن هذه الأموال لم تتجاوز ما يجب عليهم. كما يجب أن يتحرى نزاهة العمال وأنهم لم يأخذوا لأنفسهم شيئا عن طريق الرشوة أو الهدية المقنعة وفى قصة ابن اللتبية الذي أمره الرسول على بعض المال فلما جاء به إلى الرسول قال له هذا لكم وهذا لي أعطيتُه هدية، فقد صعد رسول الله على المنبر وقال ما بال أحدكم يُعهد إليه بإحضار مال من أموال المسلمين فإذا جاء به قال هذا لكم وهذا لي هدية أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى يُهدى إليه. ثالثا: مراقبة كتاب الدواوين في أعمالهم لأنهم أمناء المسلمين على ثبوت أموالهم فيما يستوفونه أو يُوفونه.

النوع الثاني: ويتمثل في رفع الظلم الخاص ويتناول: أولا: النظر في تظلم العمال من نقص أرزاقهم أو تأخيرها عن موعدها. ثانيا: رد الأموال المغتصبة إلى أربابها ويُعتبر هذا من أهم ما ينظر فيه والى المظالم إذ أن الغاصب غالبا ما يكون من ذوى القوة والبأس وقد قسم الفقهاء هذا النوع من الغصوب قسمين:

الأول: غصوب سلطانية وهى التي أخذها الولاة أو الحكام من غير حق إما بضمها إلى مال الدولة