ظلما وإما أن يأخذها الولاة لأنفسهم وفى هذه الخال يقوم مجلس المظالم برد هذه الغصوب إلى أهلها - وعلى والى المظالم أن يتعرف على ذلك بتصفح أحوال الولاة وسلوكهم وما ضم إلى أموال الدولة من أموال كما له أن يتعرف على ذلك بالاستماع إلى ظلامات أصحابها وبحثها والقسم الثاني من الغصوب ما غصبه الأقوياء من الضعفاء وتصرفوا فيه تصرف الملاك وقد جعل النظر في هذا النوع لوالى المظالم فوق ما للقضاء فيه من ولاية نظرا لما للمغصوب فيه من ضعف أمام الغاصب قد يذهب بحقه بسبب ما للغاصب من قوة وسطوة وجاه. قد يحول دون نصفته أمام القضاء.
وهذا النوع من الغصوب لا ينظر فيه والى المظالم إلا بناء على دعوى أو ظلامة ترفع إليه ولكنه لا يتقيد عند نظره بما يتقيد به القاضي من طرق الإيثار بل يكون له أن يصل إلى الحق فيه بكل طريق يوصله إليه وتطمئن إليه نفسه لأن ضعف صاحب الحق قد يعجزه عن الإثبات كما أن قوة الغاصب قد تخيف الشهود وتساعد على إخفاء الحقيقة وطمسها.
ثالثا: الأوقاف: فينظر فيها والى المظالم وهى ضربان عامة وخاصة: فأما العامة فيبدأ بتصفحها وإن لم يكن فيها متظلم ليجريها على سبيلها ويمضيها على شروط واقفها إذا عرفها من أحد ثلاثة أوجه إما من دواوين الحكام المندوبين لحراسة الأحكام، وإما من دواوين السلطنة على ما جرى فيها من معاملة أو ثبت لها من ذكر وتسمية وإما من كتب فيها قديمة تقع في النفس صحتها وإن لم يشهد الشهود بها لأنه ليس يتعين الخصم فيها فكان الحكم أوسع منه في الوقوف الخاصة فإن نظره فيها موقوف على تظلم أهلها عند التنازع فيها لوقفها على خصوم متعينين فيعمل عند التشاجر فيها على ما تثبت به الحقوق عند الحاكم ولا يجوز أن يرجع إلى ديوان السلطنة ولا إلى ما يثبت من ذكرها في الكتب القديمة إذا لم يشهد بها شهود معدلون، والقسم السابع: تنفيذ ما وقف القضاة من أحكامها لضعفهم عن إنقاذها وعجزهم عن المحكوم عليه لتعززه وقوة يده أو لعلو قدره وعظم خطره فيكون ناظر المظالم أقوى يدا وأنفذ أمرا فينفذ الحكم على من توجه إليه بانتزاع ما في يده أو بإلزامه الخروج مما في ذمته، والقسم الثامن: النظر فيما عجز عنه الناظرون من الحسبة في المصالح العامة كالمجاهرة منكر ضعفط عن دفعه والتصدى في طريق عجز عن منعه والتخفيف في حق لم يقدر على رده فيأخذهم بحق الله تعالى في جميعه ويأمر بحملهم على موجبه، والقسم التاسع: مراعاة العبادات الظاهرة كالجمع والأعياد والحج والجهاد من تقصير فيها وإخلال بشروطها فإن حقوق الله أولى أن تستوفى وفروضه أحق أن تؤدى، والقسم العاشر: النظر بين المتشاجرين والحكم بين المتنازعين فلا يخرج في النظر بينهم عن موجب الحق ومقتضاه ولا يسوغ أن يحكم بينهم إلا بما يحكم به الحكام والقضاة وربما اشتبه حكم المظالم على الناظرين فيها فيجوزون في أحكامها ويخرجون إلى الحد الذي لا يسوغ فيها.
ويبين من هذا أن ولاية المظالم قد تكون فيما يدخل في الولايتين ولاية القضاء وولاية الحسبة (١). غير أن كثيرا من الفقهاء يميزون
(١) الأحكام السلطانية للماوردى ص ٦٩، ٧٠ الطبعة الأولى سنة ١٣٣٧ هـ - سنة ١٩٠٩ م.