للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بتنازلهم عنها وإبرائهم منها، ولما روى عن أبى سعيد الخدرى قال: أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثمار أبتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصدقوا عليه»، وهو خطاب لغرمائه، وتصدقهم يكون بابرائه من ديونهم (١).

[٣ - قبول الابراء من المدين]

الدين حق خالص لصاحبه واقدام صاحبه على إسقاطه تصرف منه فى خالص حقه دون أن يمس ذلك حقا لغيره ودون أن يستوجب تكليفا على أحد ومن ثم لم يتوقف نفاذه على قبوله ممن عليه الدين بل ينفذ مع رد المدين له … ذهب إلى ذلك الحنابلة وجمهور الحنفية والشافعية وجمهور الشيعة الجعفرية تغليبا لمعنى الإسقاط‍ فيه على التمليك (٢).

وذهب زفر إلى أنه يتوقف على القبول لغلبة معنى التمليك فيه وهو قول لبعض الشيعة الجعفرية.

وللمالكية والزيدية فى ذلك قولان، أحدهما: أنه يتوقف على القبول مراعاة لجانب التمليك فيه وهو الأرجح.

وثانيهما: أنه لا يتوقف ويتم من غير قبول بل ومع رده مراعاة لمعنى الإسقاط‍ فيه كالطلاق والعتق. وعلى القول باشتراط‍ القبول فيه عند المالكية يجوز أن يتراخى القبول عن مجلس الإيجاب، وهو صريح ما ذكره ابن عرفة، كما يجوز رجوع الدائن فيه قبل القبول (٣).

وإذا كان الإبراء من الدين بهبته للمدين كان توقفه على القبول محل خلاف عند الحنفية، ذهب بعضهم إلى أن هبة الدين للمدين لا تتوقف على القبول فتنفذ مع سكوت المدين فى مجلس الإيجاب لما فيها من معنى الإسقاط‍ (٤). وهو مذهب الشافعية والحنابلة. وذهب آخرون إلى أنها تتوقف لما فيها من معنى التمليك وذلك رأى المالكية فيها لأنها نص فى التمليك.

وكذلك يرى الحنفية أن الإبراء من الكفالة والحوالة لا يتوقف على القبول ولا يرتد بالرد لتمحضه فى معنى الإسقاط‍، وأستثنى الحنفية من عدم توقف الإبراء على القبول الإبراء عن بدلى الصرف والسلم، إذ يرون توقفه على القبول دون خلاف فيه عندهم، حتى لا ينفرد أحد العاقدين فيهما وهو من أبرأ بفسخ عقد الصرف أو السلم وكلاهما عقد لازم لا يجوز أن يستبد بفسخه أحد طرفيه إذ أن فى نفاذ الإبراء فوات القبض فى المجلس وهو شرط‍ فى صحه كل منهما.

والمشهور عند الحنفية أن هبة الدين للمدين وإبراءه منه كلاهما يتم من غير قبول ويرتد بالرد فهما فى ذلك سواء وإذا إرتدا بالرد لم يجز قبول بعد الرد لبطلان الإيجاب بالرد.

٤ - رد الإبراء من المدين

ذهب الحنفية والزيدية إلى أن الإبراء يرتد برد المدين فى المجلس وبعده ما دام لم يحدث منه قبول صريح قبل رده، وذلك لما فيه من معنى التمليك.

ومن الحنفية من قيد صحة الرد ونفاذه بأن يكون فى مجلس الإبراء لا بعده، فالرد


(١) المحلى ج‍ ٩ ص ١١٧.
(٢) المهذب للشيرازى من كتاب الهبة ج‍ ١ ص ٤٥٤ والأشباه للسيوطى ص ١٨٨ وكشاف القناع ج‍ ٢ ص ٤٧٨.
(٣) الدسوقى على الشرح الكبير ج‍ ٤ ص ٩٩ وشرح الأزهار ج‍ ٤ ص ٢٥٨ والفروق للقرافى ج‍ ٢ ص ١٠١، ١١١.
(٤) نهاية المحتاج ج‍ ٥ ص ٤١٠.
كشاف القناع ج‍ ٢ ص ٤٧٨.