للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: «السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (١).

[مذهب الزيدية]

جاء فى كتاب «شرح الأزهار» أن الجهاد فرض بلا خلاف لقول الله تبارك وتعالى:

«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ» (٢) والآى الدالة على وجوبه كثيرة، لكنه فرض كفاية لا فرض عين. وروى عن ابن المسيب أنه فرض عين. ولا خلاف فى كونه فرض عين اذا قصد الكفار أو البغاة ديار المسلمين. قال فى شرح الابانة الا أنه يكفى البعض فى دفعه.

واذا ثبت وجوبه فانه يجب أن يخرج له ولكل واجب ويندب لكل مندوب فى غالب الأحوال لا فى جميعها فانه قد لا يجوز الخروج وقد يكره، أما حيث لا يجوز فهو اذا كان يفوت بخروجه لذلك الواجب واجب مثله أو أهم منه نحو أن يخرج لطلب ما هو فرض كفاية ويخل بخروجه بنفقة من يلزمه انفاقه والتكسب له فى جهته، أو يخرج لطلب العلم وفى جهته جهاد واجب متعين اما مع امام أو مع مدافع عن نفسه أو نحو ذلك مع محترم الدم كأهل الذمة. أما المكروه فحيث يفوت مندوب أفضل مما خرج له أو مثله.

بل يخير نحو أن يخرج لزيارة بعض اخوانه فى جهة نازحة، ووالداه يبكيان من فراقه وتشتد لوعتهما بحيث يكون ادخال السرور عليهما أفضل من تلك الزيارة. وأما اذا كان الذى خرج له واجبا كالجهاد والنفقة الواجبة، أو أفضل نحو أن يكون فى غير وطنه أقرب الى المواظبة على الطاعة والبعد عن الشبهة الجائزة والمكروهات فانه يجوز، بل يجب فيما هو واجب، ويندب فيما هو مندوب له الخروج وان كره الوالدان يدخل فى ذلك الجد والجدة، وقيل الأب والأم فقط‍ وهو الظاهر خروجه لم يتأخر عن الخروج لأجل كراهتهما الخروج. وقيل بل لا يجوز خروجه للجهاد الا باذن والديه المسلمين أو أحدهما لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لنومك على السرير برا بوالديك تضحكهما ويضحكانك أفضل من جلادك بالسيف فى سبيل الله» قيل وكذلك الخلاف فى الخروج للحج وطلب العلم ما لم يتضررا أو أحدهما مضرة فى أبدانهما وان كان من جهة النفقة بخروج الولد، فان تضررا حرم حينئذ الخروج بالاجماع، قيل الا أن يكونا كافرين حربيين لاذميين فله الخروج بالاتفاق. وذلك لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلّم: «أن رجلا هاجر من اليمن فقال له الرسول صلّى الله عليه وسلم:» ألك أحد فى اليمن؟ قال: أبوان:

فقال: مر اليهما فاستئذنهما فان أذنا فجاهد وان لم يأدنا فأبرهما: وروى أن رجلا أتى النبى صلّى الله عليه وسلّم ليبايعه على الجهاد فقال له الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «ألك أبوان؟» قال: نعم. فقال صلّى الله عليه وسلم قال: (ففيهما فجاهد) وروى عنه صلى الله عليه وسلم: «ارجع اليهما فاضحكهما كما أبكيتهما (٣)».


(١) المحلى لابن حزم الاندلسى ح‍ ٧ ص ٢٩٢ مسألة رقم ٩٢٢ الطبعة السابقة.
(٢) الآية رقم ٢١٦ من سورة البقرة.
(٣) شرح الأزهار ح‍ ٤ ص ٥٢٦، ٥٢٧ نفس الطبعة السابقة.