للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المجانيق عليهم لقول الله تعالى «يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ» (١)، ولأن كل ذلك من باب القتال لما فيه من قهر العدو والنكاية فيه وغيظه، ولأن حرمة الأموال لحرمة أربابها، فكذلك لا تكون ثمة حرمة لأموالهم. وكذلك لما ذكره الزهرى من أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بقطع نخيل بنى النضير وتحريقها فأنزل الله قوله: «ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ» (٢) أى أن القطع جائز بإذن الله، ففى هذا بيان أنه كان فيه غيظ‍ لهم وقد أمرنا به لقوله تعالى «وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ‍ الْكُفّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ» (٣).

وكذلك فقد أمر بحرق قصر عوف بن مالك النضرى بأوطاس.

وكره بعض الحنفية ذلك لما ذكره أبو بكر فى وصيته ليزيد بن أبى سفيان ألا يقطعوا شجرة ولا يخربوا ولا يفسدوا، لقوله تعالى: «وَإِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها» (٤).

وقال ابن عابدين أن الإحراق فى الأصل ممنوع لأنه لا يعذب بالنار إلا ربها. ولكن تحرق الدابة اذا شق نقلها وكانوا ينتفعون بها لو عقرت أو ذبحت، كما تحرق الأسلحة والأمتعة إن تعذر حملها، ويدفن ما لا يحرق بموضع خفى.

[مذهب المالكية]

وقال المالكية (٥) بجواز التخريب وقطع النخل والحرق إن أنكأ العدو. وأنه لا بأس أن ترمى حصونهم بالمجانيق وأن تحرق قراهم وحصونهم بالنار، وذلك إذا لم يكن غير النار وسيلة، وكنا إذا تركناهم خفنا على المسلمين، وأما إذا لم نخف، فقد اختلف الرأى فى جواز إحراق المحاربين بالنار إذا انفردوا ولم يمكن قتلهم إلا بالنار. فقال رأى بجواز ذلك.

وقال رأى بعدم جوازه، ما دام لا خوف عليهم من المسلمين.

وقال ابن رشد أنه يجوز أن يرمى من فى الحصون بالنار إذا لم يكن فيها إلا المقاتلة.

والرأى الظاهر أن ذلك مندوب لما فيه من غيظ‍ العدو، فقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بقطع نخل بنى النضير فأنزل الله «ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ.}. الآية»، فهى دالة على إباحة القطع، ولا حرج فى الترك.


(١) سورة الحشر: ٢.
(٢) سورة الحشر: ٥.
(٣) سورة التوبة: ١٢٠.
(٤) سورة البقرة: ٢٠٥.
(٥) شرح الحطاب ج‍ ٣ ص ٣٥١ وما بعدها وهامشه التاج والأكليل فى المرجع نفسه، وبلغة السالك ج‍ ١ ص ٣٣٢.