للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنه: وكلام الشافعي رحمه الله تعالى هنا يشير إلى كك من العلتين، فإذا أقرضه طعاما أو نحوه في مصر ثم لقيه في مكة لم يلزمه أن يدفعه إليه لأنه بمكة أغلى. كذا نص عليه الشافعي رضى الله تعالى عنه بهذه العلة وبأن في نقله إلى مكة ضررا فالظاهر أن كل واحدة منهما علة مستقلة، وحيث أخذ القيمة فهى للفيصولة لا للحيلولة، فلو اجتمعا في بلد الإِقراض لم يكن للمقرض أن يردها ويطلب المثل، ولا للمقترض أن يستردها (١).

[مذهب الحنابلة]

جاء فى المغنى والشرح الكبير أنه لو اقترض رجل من آخر نصف دينار مثلا فدفع إليه دينارا صحيحا وقال نصفه قضاء ونصفه وديعة عندك أو سلما في شئ صح، وإن امتنع المقرض من قبوله فله ذلك لأن عليه في الشركة ضررا. ولو اشترى بالنصف الثاني من الدينار سلعة جاز إلا أن يكون ذلك عن مشارطة فقال أقضيك صحيحا بشرط أنى آخذ منك بنصفه الباقى قميصا فإنه لا يجوز لأنه لم يدفع إليه صحيحا إلا ليعطيه بالنصف الباقى فضل ما بين الصحيح والمكسور من النصف المقضى، ولو لم يكن شرطا جاز، فإن ترك النصف الآخر عنده وديعة جاز وكانا شريكين فيه، وإن اتفقا على كسره كسراه فإن اختلفا لم يجبر أحدهما على كسره لأنه ينقص قيمته (٢). ولو كان ما أقرضه موجودا بعينه فرده من غير عيب يحدث فيه لزم قبوله سواء تغير سعره أو لم يتغير وإن حدث به عيب لم يلزمه قبوله، وإن كان المرض فلوسا أو مكسرة فحرمها السلطان وتركت المعاملة بها كان للمقرض قيمتها ولم يلزمه قبولها سواء كانت قائمة في يده أو استهلكها لأنها تعيبت في ملكه، نص عليه أحمد رضى الله تعالى عنه في الدراهم المكسرة وقال يقومها كم تساوى يوم أخذها ثم يعطيه وسواء نقصت قيمتها قليلا أو كثيرا. قال القاضي رحمه الله تعالى: هذا إذا اتفق الناس على تركها فأما إن تعاملوا بها مع تحريم السلطان لها لزمه أخذها، وقال مالك والليث بن سعد والشافعى رضى الله تعالى عنهم: ليس له إلا مثل ما أقرضه لأن ذلك ليس بعيب حدث فيها، فجرى مجرى نقص سعرها، ويدل لنا أن تحريم السلطان لها منع إنفاقها وأبطل ماليتها فأشبه كسرها أو تلف أجزائها، وأما رخص السعر فلا يمنع ردها سواء كان كثيرا مثل إن كانت عشرة بدانق فصارت عشرين بدانق، أو كانت قليلا لأنه لم يحدث فيها شئ، إنما تغير السعر فأشبه الحنطة إذا رخصت ورثته لما في حبس صداقها من المنفعة بسبب الشروط التي لها فيه إن كانت ولأجل لحوق النسب أو الحمل إن كان حمل بعد موته وفى


(١) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى الشهير بالشافعى الصغير جـ ٤ ص ٢٢٣ وما بعدها إلى ص ٢٢٦ في كتاب أسفله حاشية أبى الضياء نور الدين على بن علي الشبراملسى وعلى هامشه حاشية الرشيدى طبع مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة ١٣٥٧ هـ.
(٢) المغنى للإمام موفق الدين أبى عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ ٤ ص ٣٦٣ في كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى الطبعة الثانية طبع مطبعة المنار بمصر سنة ١٣٤٧ هـ.