للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يأمر بتخلية سبيلهم الا عند توبتهم، وهى الاسلام.

ويجوز عقد الذمة مع أهل الكتاب لقول الله تبارك وتعالى:

«قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ» (١).

وسواء كانوا من العرب او من العجم لعموم النص.

ويجوز مع المجوس لأنهم ملحقون بأهل الكتاب فى حق الجزية لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم انه قال فى المجوس:

«سنوا بهم سنة أهل الكتاب».

وكذلك فعل سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه بسواد العراق وضرب الجزية على جماجمهم والخراج على أراضيهم. ثم وجه الفرق بين مشركى العرب وغيرهم من أهل الكتاب ومشركى العجم ان أهل الكتاب انما تركوا بالذمة وقبول الجزية لا رغبة فيما يؤخذ منهم أو طمع فى ذلك بل للدعوة الى الاسلام ليخالطوا المسلمين فيتأملوا فى محاسن الاسلام وشرائعه وينظروا فيها فيروها مؤسسة على ما تحتمله العقول وتقبله، فيدعوهم ذلك الى الاسلام فيرغبون فيه فكان عقد الذمة لرجاء الاسلام وهذا المعنى لا يحصل بعقد الذمة مع مشركى العرب لأنهم أهل تقليد وعادة لا يعرفون سوى العادة وتقليد الآباء، بل يعبدون ما سوى ذلك سخرية وجنونا فلا يشتغلون بالتأمل والنظر فى محاسن الشريعة ليقفوا عليها فيدعوهم الى الاسلام فتعين السيف داعيا لهم الى الاسلام، ولهذا لم يقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منهم الجزية ومشركوا العجم ملحقون بأهل الكتاب فى هذا الحكم بالنص الذى روينا.

وكذلك الشأن بالنسبة للمرتد فانه لا يقبل من المرتد أيضا الا الاسلام أو السيف لقول الله تبارك وتعالى:

«تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ» (٢).

قيل ان الآية نزلت فى أهل الردة من بنى حنيفة ولأن العقد فى حق المرتد لا يقع وسيلة الى الاسلام لأن الظاهر أنه لا ينتقل عن دين الاسلام بعد ما عرف محاسنه وشرائعه المحمودة فى العقول الا لسوء اختياره وشؤم طبعه فيقع اليأس عن فلاحه فلا يكون عقد الذمة وقبول الجزية فى حقه وسيلة الى الاسلام (٣).

[مذهب المالكية]

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن الرسالة انه أحب الينا أن لا يقاتل العدو حتى يدعوا الى دين الله.

فاما أن يسلموا.

أو يؤدوا الجزية.

والا قوتلوا.


(١) الآية رقم ٢٩ من سورة التوبة
(٢) الآية رقم ١٦ من سورة الفتح
(٣) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج ٧ ص ١١٠، ١١١ الطبعة السابقة.