للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرجل قدحا من خمر على يده لعنته ملائكة السموات والأرض فان شربها لم تقبل صلاته أربعين ليلة وان داوم عليها فهو كعابد الوثن.

وكان جعفر الطيار رحمه الله يتحرز عن هذا فى الجاهلية والاسلام ويقول:

العاقل يتكلف ليزيد فى عقله فأنا لا أكتسب شيئا يزيل عقلى.

والأمة أجمعت على تحريمها وكفى بالاجماع حجة هذه حرمة قوية باتة حتى يكفر مستحلها ويفسق شاربها ويجب الحد بشرب القليل والكثير منها.

والقليل والكثير منها فى الحرمة وفى جميع ما ذكر من الأحكام سواء لقوله عليه الصلاة والسّلام «حرمت الخمر لعينها قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب» ثم فى تناول القليل منها معنى العداوة والصد عن ذكر الله تعالى، فالقليل يدعو الى الكثير على ما قيل:

ما من طعام وشراب الا ولذته فى الابتداء تزيد على اللذة فى الانتهاء الا الخمر، فان اللذة لشاربها تزداد بالاستكثار منها، ولذا يزداد حرصه على شربها اذا أصاب منها شيئا فكان القليل منها داعيا الى الكثير منها فيكون محرما كالكثير ألا ترى ان الزنا لما حرم شرعا حرمت دواعيه - أيضا - وأن المشئ على قصد المعصية معصية (١).

[مذهب المالكية]

يقول ابن رشد: أجمعت الأمة على أن الخمر محرمة فى كتاب الله تعالى فقال تعالى: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ»}. وهذه الآية نزلت بعد قوله تعالى «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما»}.

وقوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ»}.

ويدل على تحريمها أيضا أن الله سماها رجسا، ونص على تحريم الرجس فقال:

قل لا أجد فيما أوحى الى محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فانه رجس أو فسقا أهل لغير الله به.

وسماها اثما فى موضع آخر فقال:

يسألونك عن الخمر والميسر كل فيهما اثم لكبير.

ثم نص على تحريم الاثم فقال: «قل انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم».


(١) المبسوط‍ ج ٢٤ ص ٣ الطبعة الاولى وشرح المناوى على الجامع الصغير ج ٥ ص ٢٦٧ الطبعة السابقة