والثانى: أن يكون مجملا بين أفراد حقيقة واحدة، كقوله تعالى: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً» فإن لفظ البقرة موضوع لحقيقة واحدة معلومة ولها أفراد، والمراد واحد معين منها.
والثالث: أن يكون مجملا بين مجازاته وذلك إذا انتفت الحقيقة، وتكافأت المجازات، فلم يترجح بعضها على بعض».
أسباب الإجمال
الذى يؤخذ من تعريفات الحنفية للمجمل، أن أسباب الإجمال ثلاثة (١).
أولا: ازدحام معانى اللفظ واشتباه المراد منها اشتباها لا يدرك بنفس العبارة، بل بالرجوع إلى الاستفسار ثم الطلب، ثم التأمل وذلك كالألفاظ المشتركة، مثل المولى، والقرء.
ثانيا: التوحش فى معنى الاستعارة، وذلك إذا نقل اللفظ من معناه فى اللغة إلى معنى غير معلوم يقصده الشارع منه، وذلك كالصلاة والصوم والحج وغير ذلك من الألفاظ التى نقلت من معناها لغة إلى معنى شرعى غير معلوم لنا قبل بيانه من الشارع نفسه.
ثالثا: غرابة الصيغة أو اللغة الغربية ومثلوا له باستعمال كلمة «هلوعا» فى قولة تعالى: «إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً» التى بينها الشارع بقوله «إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً. وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً».
مواضع الإجمال
بيَّن الغزالى مواضع الإجمال فقال:
«اعلم أن الإجمال تارة يكون فى لفظ مفرد، وتارة يكون فى لفظ مركب، وتارة فى نظم الكلام والتصريف وحروف النسق ومواضع الوقف والابتداء. أما اللفظ المفرد فقد يصلح لمعان مختلفة كالعين للشمس والذهب والعضو الباصر والميزان، وقد يصلح لمتضادين كالقرء، للطهر والحيض، والناهل للعطشان والريان، وقد يصلح لمتشابهين بوجه ما، كالنور للعقل ونور الشمس، وقد يصلح لمتماثلين كالجسم للسماء والأرض، وقد يكون موضوعا لهما من غير تقديم وتأخير. وقد يكون مستعارا لأحدهما من الآخر كقولك:
الأرض أم البشر فإن الأم وضع اسما للوالدة أولا، وكذلك اسم المنافق والكافر والفاسق والصوم والصلاة فإنه نقل فى الشرع إلى معان ولم يترك المعنى الوضعى أيضا:
أما الاشتراك مع التركيب فكقوله تعالى «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً، فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ، إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ». فإن جميع هذه الألفاظ مرددة بين الزوج والولى.
وأما الذى بحسب التصريف فكالمختار للفاعل والمفعول، وقد يكون بحسب الوقف والابتداء مثل قوله تعالى: «وَما}
(١) انظر أصول البزدوى مع شرحه كشف الأسرار ج ١ ص ٥٤، والمنار للنسفى مع شرحه ج ١ ص ٣٦٥، وأصول السرخسى ج ١ ص ١٦٨.