للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[تجزؤ الاقرار]

اذا استثنينا الظاهرية والحنابلة. فانه يمكن القول بأن الفقهاء فى المذاهب الاخرى متفقون على أن الاقرار يتجزأ: يقول الحنفية اذا ادعى شخص على آخر أنه اقترض منه مبلغ مائة جنيه وطالبه به - فقال المدعى عليه أنى قضيتك المبلغ المطلوب - يكون هذا اقرارا بالمبلغ لان القضاء هو تسليم مثل الواجب فى الذمة فالاخبار بانه قضاه المبلغ يستلزم الاقرار بأنه كان ثابتا فى ذمته فيكون مقرا به مدعيا سقوطه بمسقط‍ فيعامل باقراره بالمبلغ ولا تثبت دعواه السقط‍ الا ببينة (١). وهذا تجزئة للاقرار حيث أخذ منه جزء وهو الضار المتكلم وترك جزء آخر وهو النافع له .. ويقول المالكية مثل (٢) ذلك - أنه اذا قال شخص لآخر لى عليك عشرون مثقالا ذهبا فقال المخاطب: فقد قضيتها او اتزنها او انتقدها أو اجلنى بها او ما أشبه ذلك. فانه بهذا الجواب يكون مقرا بالمبلغ المدعى به لان الضمير فى عبارة الجواب راجع الى المبلغ الذى ذكره المدعى المقر له اولا. وقضاء الدين شرعا هو تسليم مثل الواجب فى الذمة.

فاخبار المخاطب بانه قد قضى العشرين مثقالا يستلزم الاقرار بثبوتها فى ذمته فيكون مقرا بها مدعيا سقوطها بالقضاء فيؤخذ بالاقرار.

ولا يصدق فى دعوى القضاء الا بدليل. وان لم تشتمل عبارة الجواب على الضمير العائد على المبلغ: بأن قال له: أتزن أو انتقد أو قد قضيته أو أجل. ففى دلالة هذا الجواب على الاقرار الحق المدعى قولان .. ويرى الشافعية مثل هذا الرأى (٣). أنه اذا قال شخص لآخر: لى عليك الف درهم. أو قال له: أقض الالف الذى لى عليك. أو قال: أليس لى عليك: ألف درهم. فقال المخاطب فى جواب ذلك. بلى. أو نعم. او صدقت أو نحو ذلك كان هذا اقرارا بالحق المدعى به الا ان يقترن الجواب بما يدل على الاستهزاء او الانكار كالضحك وهز الرأس تعجبا وانكارا فلا يعتبر الجواب دالا على الاقرار .. وان قال المخاطب فى الجواب: أبرأتنى أو قضيته أو نحو ذلك فانه يدل على الاقرار بالحق المدعى لانه يدعى الابراء أو القضاء. وذلك اعتراف بالاصل وشغل الذمة بالمقضى أو المبرأ منه فيؤخذ بهذا الاقرار ولا يصدق فيما يدعيه من الابراء أو القضاء الا بالدليل .. وهو مع ملاحظة أن الاقارير ونحوها مبنية على العرف المتبادر من اللفظ‍ لا على دقائق العربية واعتبارات النحو .. وكذلك الحكم عند الزيدية .. فقد قالوا انه يجب الحق بالاقرار بفرع ثبوته .. فاذا أقر الشخص بشئ يتفرع على ثبوت الحق كان ذلك اقرارا بنفس الحق مثال ذلك أن يدعى رجل على رجل دينا.

فيقول المدعى عليه: قد قضيتك هذا الدين.

فتكون دعواه القضاء اقرارا بالدين لأنه لا قضاء الا عن دين وقد فهم هذا من الدعاوى لان مع المقر اخفى الامرين وهو الابراء. ومع المدعى اظهرها وهو عدم الابراء .. ونحو ان يدعى رجل على امرأة أنها زوجته فتقول ردا على دعواه: قد طلقتنى. فان ذلك يكون اقرارا


(١) الدر المختار وتكملة حاشية ابن عابدين من باب الاقرار.
(٢) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج‍ ٣ ص ٤٠٢، ٤٠٣ والحطاب ج‍ ٥ ص ٢٣٤ وما بعدها.
(٣) نهاية المحتاج ج‍ ٥ ص ٧٦ وما بعدها.