للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيجعل الساكت مقرا بالحق بسكوته كما يجعل المتكلم مقرا بالحق بكلامه .. وان كان هذا مخالفا للقاعدة الفقهية المقررة التى تقول: انه لا ينسب لساكت قول: الا انهم استثنوا من ذلك مسائل جعلوا الساكت فيها كالمتكلم بعد ذلك. سكوت الوالد بعد تهنئة الناس له بالولد بعد الولادة يكون اقرارا منه أنه ابنه فليس له ان ينفى نسبه منه بعد ذلك .. ومنه سكوت الزوجة أو الولد او القريب عند بيع العقار بحضرته من الزوج او الوالد او القريب يعتبر اقرارا من هذا الحاضر الساكت بملكية البائع للعقد أو المبيع .. ولا تسمع دعواه الملكية على المشترى فى هذا المبيع طبقا لما أفتى به مشايخ سمرقند وذلك قطعا للاطماع الفاسدة .. ومنه ما اذا رأى شخص شخصا آخر يبيع عرضا أو دارا ورأى المشترى يتصرف فى البيع زمانا وهو ساكت. يعتبر سكوته اقرارا منه بملكية البائع للمبيع وصحة البيع فلا تسمع منه دعوى الملكية على المشترى فى هذا المبيع بعد .. ومنه ما اذا سكتت البكر التى زوجها وليها اذا بلغت بكرا يكون سكوتها عند البلوغ وعدم اختيارها نفسها رضا منها بالزواج يبطل خيار البلوغ الثابت لها. بخلاف ما اذا بلغت ثيبا فانه لا يبطل خيارها بمجرد السكوت بل يبطل برضاها. وغير هذا مسائل ذكرناها فى الكلام على مذهب الحنفية فى ذلك.

اما المالكية فقد اختلفوا فى السكوت:

هل يعتبر اذنا بالشئ المسكوت عنه واقرارا به على أساس الرضا والتسليم. أو لا يعتبر كذلك؟ قولان. والأظهر أنه لا يعتبر اقرارا (١) وأما اذا قال له: لى عليك مائة فسكت فقد ذكروا الخلاف فى كون السكوت اقرارا او ليس باقرار (٢).

وجاء فى مواهب الجليل - مسألة: اختلف فى السكوت كالاقرار ام لا .. قال فى العتبية فى رسم العرية من سماع عيسى من كتاب التفليس مسألة: وسئل عن رجل جاء قوما فى مجلس فقال: أنا أشهدكم أن لى على فلان كذا وكذا دينارا. وفلان هذا مع القوم فى المجلس فسكت ولم يقل. نعم ولا لا. ولم يسأله الشهود عن شئ. ثم جاء المشهد يطلب ذلك المبلغ قيل المشهد عليه الذى سمع الاشهاد عليه وسكت. فأنكر أن يكون عليه شئ .. قال:

نعم ذلك لازم اذا سكت ولم يقل شيئا .. قال محمد بن رشد: اختلف فى السكوت هل يعد اذنا فى الشئ واقرارا به على قولين مشهورين فى المذهب منصوص عليهما لابن القاسم.

أحدهما أنه اذن. والثانى أنه ليس باذن ..

وأظهر القولين أنه ليس باذن .. وقد ذكرنا المسألة ببسط‍ وايضاح فى الكلام على مذهب المالكية فى ذلك (٣).


(١) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ص ٣ ص ٤٠٣.
(٢) مواهب الجليل للحطاب ج‍ ٥ ص ٢٢٥.
(٣) يراجع مذهب الحنفية ابن عابدين ج‍ ٤ ص ٦٨٨ وما بعدها وجامع الفصولين ج‍ ٢ ص ١٨٢ وفى مذهب المالكية تبصرة الحكام لابن فرحون ج‍ ٢ ص ٥٥ وفى مذهب الشافعية نهاية المحتاج ج‍ ٥ ص ٧٦ وما بعدها - الاشباه والنظائر للسيوطى ص ٣٦٢ وما بعدها مذهب الحنابلة كشاف القناع ج‍ ٤ ص ٢٩١، ٣٠٦، ٣٠٧ وشرح منتهى الايرادات ج‍ ٤ ص ٣٣٥، ٣٣٩، ٣٤٠ ومذهب الظاهرية المحلى لابن حزم الظاهرى ج‍ ٨. باب الاقرار ص ٢٥٠ وما بعدها. مذهب الزيدية شرح الأزهار ج‍ ٤ ص ١٥٩ - التاج المذهب ج‍ ٤ ص ٤١، مذهب الإمامية المختصر النافع الطبعة الثانية ص ٢٤٣ مذهب الإباضية شرح النيل ج‍ ٧ ص ١٤١ وما بعدها.