للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الثانى: أن نسلم بأن إجماع من سبقنا من أهل الملل ليس حجة - كما هو قول الأكثرين من العلماء - ولكن هناك فرقا بيننا وبينهم، لأنه لم يرد فى حقهم من الدلالة الدالة على الاحتجاج بإجماعهم ما ورد فى علماء هذه الأمة فافترقا (١)».

وخلاصة الوجهين أننا إذا أخذنا بمذهب الأسفرايينى ومن معه فإجماعنا كإجماعهم كلاهما يحتج به، وإن أخذنا بمذهب الأكثرين فإن إجماعنا قد وردت الأدلة بحجيته ولم ترد الأدلة باعتبار إجماعهم حجة، فهذا هو الفرق بين إجماعنا وإجماعهم.

وثالث المعانى المعقولة يرجع إلى ما هو مقرر من أن كل حكم لا بد أن يكون ثابتا بدليل، والإجماع لا يكون فى نظر القائلين بحجيته إلا عن دليل، والدليل يغنى عنه، ثم إن بعض الأحكام الشرعية لا يكون إجماع الأمة دليلا عليها كالتوحيد، وكذلك سائر الأحكام العقلية (٢).

ويرد الآمدى على ذلك بقوله:

«لا نسلم أنه إذا كان الحكم ثبت بالدليل لا يجوز إثباته بالإجماع، أى فهذا ما جرى عليه العلماء حين يقولون: هذا الحكم ثبت بالكتاب والسنة والإجماع، وأما التوحيد فلا نسلم أن الإجماع فيه ليس بحجة، وإن سلمنا أنه لا يكون حجة فيه، بل فى الأحكام الشرعية، أى العملية لا غير، فإن بينهما فرقا، هو أن التوحيد لا يجوز فيه تقليد العامى للعالم، وإنما يرجع إلى أدلة يشترك فيها الكل، وهى أدلة العقل، بخلاف الأحكام الشرعية، العملية، فإنه يجب على العامى الأخذ بقول العالم فيها، وإذا جاز أو وجب الأخذ بقول الواحد كان الأخذ بقول الجماعة أولى (٣).

هذا هو كلام المنكرين بحجية الإجماع والرد عليهم، فى المسلك الأول وهو المعارضة بالكتاب والسنة والمعقول.

المسلك الثانى: مناقشتهم وتأويلهم

لأدلة الجمهور

أما مناقشتهم لأدلة الجمهور فقد تقدمت عند عرض هذه الأدلة فلا نعود اليها وأما تأويلهم للأدلة، بحملها على معان أخرى، فمثل: قولهم فى تأويل حديث «لا تجتمع أمتى على ضلالة»، فإنهم فسروا الضلالة بالكفر والبدعة، وقالوا: لعله أراد عصمة جميعهم عن الكفر بالتأويل والشبهة، - والرواية التى تقول «لا تجتمع أمتى على الخطأ» غير متواترة وإن صحت فالخطأ أيضا عام يمكن حمله على الكفر.

ويرد الغزالى على هذا بقوله:

«قلنا الضلال فى وضع اللسان لا يناسب الكفر، قال الله تعالى: «وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى ٤»، وقال تعالى، اخبارا عن موسى


(١) ص ٣٠١ ج‍ ١ من الأحكام للأمدى.
(٢) ص ٢٩١ ج‍ ١ من الأحكام للأمدى.
(٣) ص ٣٠٢ ج‍ ١ من الأحكام للأمدى.
(٤) سورة الضحى: ٧.