للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه السلام: «قال فعلتها اذن وأنا من الضالين (١)» وما أراد من الكافرين، بل أراد من المخطئين، يقال: ضل فلان عن الطريق، وضل سعى فلان، كل ذلك الخطأ. كيف وقد فهم ضرورة من هذه الألفاظ‍ تعظيم شأن هذه الأمة وتخصيصها بهذه الفضيلة.

أما العصمة عن الكفر فقد أنعم بها فى حق على وابن مسعود وأبى، وزيد، على مذهب النظام لأنهم ماتوا على الحق.

وكم من أحاد عصموا عن الكفر حتى ماتوا، فأى خاصية للأمة؟

فدل على أنه أراد ما لم يعصم عنه الآحاد، من سهو وخطأ وكذب، وتعصم عنه الأمة تنزيلا لجميع الأمة منزلة النبى صلى الله عليه وسلم فى العصمة عن الخطأ فى الدين، أما فى غير الدين من إنشاء حرب وصلح وعمارة بلدة، فالعموم يقتضى العصمة للأمة عنه أيضا، ولكن ذلك مشكوك فيه، وأمر الدين مقطوع بوجوب العصمة فيه، كما فى حق النبى صلى الله عليه وسلم، فانه أخطأ فى أمر تأبير النخل، ثم قال: «أنتم أعرف بأمر دنياكم، وأنا أعرف بأمر دينكم (٢)».

إلى غير ذلك من التأويلات التى لا نطيل بذكرها، وقد عنى الغزالى بإيرادها والرد عليها فى المستصفى، فمن شاء فليرجع إليه فى الموضع الذى ذكرناه.

رابعا: هل الإجماع عند القائلين بحجيته قطعى أو ظنى:

قال الشوكانى: «اختلف القائلون بحجية الإجماع هل هو حجة قطعية أو ظنية؟

فذهب جماعة منهم إلى أنه حجة قطعية، وبه قال الصيرفى، وابن برهان، وجزم به من الحنفية الدبوسى، وشمس الأئمة.

وقال الأصفهانى: إن هذا القول هو المشهور، وأنه يقدم الإجماع على الأدلة كلها، ولا يعارضه دليل أصلا، ونسبه إلى الأكثرين.

قال: بحيث يكفر مخالفه، أو يضلل ويبدع. وقال جماعة، منهم الرازى والآمدى: أنه لا يفيد إلا الظن.

وقال جماعة بالتفصيل بين ما اتفق عليه المعتبرون فيكون حجة قطعية، وبين ما اختلفوا فيه، كالسكوتى وما ندر مخالفه فيكون حجة ظنية.

وقال البزدوى وجماعة من الحنفية:

الإجماع مراتب: فإجماع الصحابة مثل الكتاب والخبر المتواتر وإجماع من بعدهم بمنزلة المشهور من الأحاديث والإجماع الذى سبق فيه خلاف فى العصر السابق بمنزلة خبر الواحد، واختار بعضهم فى الكل أنه يوجب العمل لا العلم فهذه مذاهب أربعة (٣)».


(١) سورة الشعراء: ٢٠.
(٢) انظر فى تأويلهم والرد عليهم كلام الغزالى فى المستصفى ص ١٧٨ ج‍ ١.
(٣) ص ٧٤، ٧٥ من ارشاد الفحول.