للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أهل الأهواء من لم يجعله حجة مثل إبراهيم النظام والقاشانى من المعتزلة والخوارج وأكثر الروافض. ثم نسلم أن الإجماع في ذاته ممكن الوقوع والثبوت وعلق في الهامش على هذه العبارة بقوله: "أنكر بعض الروافض والنظام من المعتزلة تصور النقاد الإجماع على أمر غير ضرورى".

وذهب داود وشيعته من أهل الظاهر. وأحمد بن حنبل فى إحدى الروايتين عنه إلى أنه لا إجماع إلا للصحابة.

وقال الزيدية والإمامية من الروافض: لا يصح الإِجماع إلا من عترة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أي قرابته .. ونقل عن مالك رحمه الله أنه قال: لا إجماع إلا لأهل المدينة. ا. هـ. راجع كتاب كشف الأسرار لليزدوى (١).

ولا نقول مع القائل إن من أدعى الإجماع فهو كاذب. وعلق على هذه العبارة في الهامش بقوله: روى ذلك عن الإِمام أحمد بن حنبل. (راجع تاريخ التشريع الإسلامي لمؤلفه محمد الحضرى (٢)).

ويتابع المؤلف كلامه فيقول: أما دعوى الإجماع في هذه المسألة (وجوب الخلافة) فلا نجد مساغا لقبولها على أي حال ومحال إذا طالبناهم بالدليل أن يظفروا بدليل.

على أننا مثبتون لك فيما يلى أن دعوى الإجماع غير صحيحة ولا مسموعة سواء أرادوا إجماع الصحابة وحدهم أم الصحابة والتابعين أم علماء المسلمين كلهم بعد أن نمهد لهذا تمهيدا ..

وبعد أن أشار إلى أن تاريخ الحركة العلمية عند المسلمين يشير إلى أن حظهم من العلوم السياسية كان أقل وأضعف من حظهم في غيرها وأرجع ذلك إلى السلاطين والخلفاء وعملهم على الحيلولة دون نوسعهم في دراسة العلوم السياسية ونقلها عن اليونانيين مع غيرها حرصا على عروشهم ومراكزهم القائمة على القهر والغلبة لأن هذه العلوم تبحث دائما في نظم الحكم ومبادئه وأنواعه وحقوق الشعوب والأمم وحرياتها فيخشى أن تفتح أذهان المسلمين وعيونهم على ما هم عليه من سوء واستبداد.

وقد تكون لذلك أسباب أخرى لا يعنينا أن نستوعبها وإنما الذي يعنينا أن نقرر أن ارتكاز الخلافة على القوة حقيقة واقعة لا ريب فيها.

وتستطيع أن تدرك مثلا لذلك في قصة البيعة ليزيد بن معاوية حين قام أحد الدعاة إلى تلك البيعة خطيبا في الحفل الذي أقيم لذلك فأوجز البيان في كلمات لم تدع لذى إربة في القول جدًّا ولا هزلا - قال هذا الداعى "أمير المؤمنين هذا وأشار إلى معاوية فإن هلك فهذا (وأشار إلى يزيد) فمن أبى فهذا (وأشار إلى سيفه) فقال معاوية: اجلس فأنت سيد الخطباء ..

إلى أن قال (٣): ونعود بك الآن إلى حيث كنا عند قولهم أن الأمة أجمعت على أن نصب الإِمام فكان ذلك إجماعا دالا على وجوبه ..

لو ثبت عندنا أن الأمة في كل عصر سكتت على بيعة الإمامة فكان ذلك إجماعًا سكوتيا - بل لو ثبت أن الأمة بجملتها وتفضيلها قد اشتركت بالفعل في كل عصر في بيعة الإِمامة واعترفت بها فكان ذلك إجماعا صريحا .. لو نقل إلينا ذلك لأنكرنا أن يكون إجماعًا حقيقيا ولرفضنا أن نستخلص منه حكمًا شرعيًا وأن


(١) كتاب كشف الأسرار لليزدوى طبع دار الخلافة سنة ١٣١٧ هـ ص ٩٤٦ وما بعدها.
(٢) تاريخ التشريع الإسلامي لمؤلفه محمد الحضرى ص ٢٠٦.
(٣) الموافقات جـ ٣ ص ٤.