للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطلاق بعد ذكر المعتدات: "فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى" (١) فلم يخص سبحانه وتعالى ذات زوج من غيرها، ولا جعل في ذلك خيارا للأب ولا للزوج، بك جعل الإِرضاع إلى الأمهات. وأما إجبار الأم على إرضاع ولدها إذا لم يقبل غير ثديها فلقول الله عز وجل: "قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم" (٢) وقوله سبحانه وتعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإِثم والعدوان" (٣)، وقوله عز وجل: "لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك" (٤). وهذه هي المضارة حقا، وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله" (٥). فإن كان الولد لا يلحق نسبه بالذي تولد من مائه أو كان أبوه ميتا أو غائبا حيث لا يقدر عليه ولا وارث للرضيع فالرضاعة على الأم ولا شئ لها على أحد من أجل الرضاعة لقول الله عز وجل: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" (٦) وليس هاهنا مولود له ولا وارث فهو عليها فقط. وإن كانت في غير عصمته فإن كانت أم ولد فأعتقها أو منفسخة النكاح بعد صحته بغير طلاق لكن بما يفسخ به النكاح بعد صحته، أو كانت موطوءة بعقد فاسد بجهل يلحق فيه الولد بوالده، أو طلقها طلاقا رجعيا وهو رضيع فلها في كل ذلك على والده النفقة والكسوة بالمعروف فقط وهو للمطلقة مدة عدتها، فإن كان فقيرا كلفت إرضاع الولد ولا شئ لها على الأب الفقير، فإن غاب وله مال اتبع بالنفقة والكسوة متى قدر عليه أو على مال له، وكذلك إن امتنع وله مال لقول الله عز وجل: "وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (٧) وإذا أوجب الله تعالى ذلك لها فهو دين عليه إن كان له مال، فإن لم يكن له مال فلقول الله عز وجل: "لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها" (٨)، وإذا لم يكلف شيئا فلا يجوز أن يتبع إن أيسر بما لم يكلفه قط لكن إن أيسر والرضاع متماد كلف من حين يوسر. فإن رضيت هي بأجرة مثلها فإن الأب يجبر على ذلك أحب أم كره، ولا يلتفت إلى قوله أنا أجد من يرضعه بأقل أو بلا أجرة لقول الله عز وجل "فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى (٩) "فأوجب الله تعالى لهن الأجرة إلا مع التعاسر والتعاسر في لغة العرب التي نزل بها القرآن فعل من فاعلين، فإذا قنعت هي بأجرتها التي أوجبها الله تعالى لها بالمعروف فلم تعاسره وإذا لم تعاسره فهى على حقها في الأجرة المؤتمرة بالمعروف. فإن لم ترض إلا بأكثر من أجرة مثلها وأبى الأب إلا أجرة مثلها فهذا هو التعاسر وللأب حينئذ أن يسترضع لولده غيرها بأجرة مثلها أو بأقل أو بلا أجرة إن وجد. فإن لم يقبل الولد غير ثديها أو لم يجد الأب إلا من لبنها مضر بالرضيع أو من تضيعه أو كان الأب


(١) الآية رقم ٦ من سورة الطلاق.
(٢) الآية رقم ٤٤ من سورة الأنعام.
(٣) الآية رقم ٢ من سورة المائدة.
(٤) الآية رقم ٢٣٣ من سورة البقرة.
(٥) روي من طرق شتى منها طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبى حازم عن جرير بن عبد الله البجلى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(٦) الآية رقم ٢٣٣ من سورة البقرة.
(٧) الآية رقم ٢٣٣ من سورة البقرة.
(٨) الآية رقم ٧ من سورة الطلاق.
(٩) الآية رقم ٦ من سورة الطلاق.