للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو غيره. وإن كانت الكفالة مؤجلة لم يلزم إحضاره قبل الأجل كالدين المؤجل، فإذا حل الأجل فأحضره وسلمه برئ، وإن كان غائبا أو مرتدا لحق بدار الحرب لم يؤخذ بالحق حتى يمضى زمن يمكن المضى إليه وإعادته، وقال ابن شبرمة رحمه الله تعالى: يحبس في الحال لأن الحق قد توجه عليه، ويدل لنا أن الحق يعتبر في وجوب أدائه إمكان التسليم وإن كان حالا كالدين فإذا مضت مدة يمكن إحضاره فيها ولم يحضره أو كانت الغيبة منقطعة لا يعلم خبره أو امتنع من إحضاره مع إمكانه أخذ بما عليه، وقال أصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم: إن كانت الغيبة منقطعة لا يعلم مكانه لم يطالب الكفيل بإحضاره ولم يلزمه شئ وإن امتنع من إحضاره مع إمكانه حبس، وقد دللنا على وجوب الغرم فيما مضى، وإن أحضر المكفول به قبل الأجل ولا ضرر في تسليمه لزمه، وإن كان فمه ضرر مثل أن تكون حجة الغريم غائبة أو لم يكن يوم مجلس الحاكم أو الدين مؤجل فإذا لم يكن اقتضاؤه منه أو قد وعده بالإنظار في تلك المدة لم يلزمه قبوله كما نقول فيمن دفع الدين المؤجل قبل حلوله (١). وإذا عين في الكفالة تسليمه في مكان فأحضره في غيره لم يبرأ من الكفالة - وبه قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى - وقال القاضي إن أحضره بمكان آخر من البلد وسلمه برئ من الكفالة، وقال بعض أصحابنا رضى الله تعالى عنهم: متى أحضره في أي مكان كان وفى ذلك الموضع سلطان برئ من الكفالة لكونه لا يمكنه الامتناع من مجلس الحاكم ويمكن إثبات الحجة فمه، وقيل إن كان عليه ضرر في إحضاره بمكان آخر لم يبرأ الكفيل بإحضاره فيه، وإلا برئ كقولنا فيما إذا أحضره قبل الأجل، ولأصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم اختلاف على نحو ما ذكرنا. ويدل لنا أنه سلم ما شرط تسليمه في مكان غيره فلم يبرأ كما لو أحضر المسلم فيه في غير هذا الموضع الذي شرطه، ولأنه قد سلم في موضع لا يقدر على إثبات الحجة فيه لغيبة شهوده أو غير ذلك، وقد يهرب منه ولا يقدر على إمساكه، ويفارق ما إذا أحضره قبل الأجل فإنه عجل الحق قبل أجله فزاده خيرا، فإذا لم يكن فيه ضرر وجب قبوله، وإن وقعت الكفالة مطلقة وجب تسليمه في مكان العقد كالسلم فإن سلمه في غيره فهو كتسليمه في غير المكان الذي عينه، وإن كان المكفول به محبوسا عند غير الحاكم لم يلزمه تسليمه محبوسا لأن ذلك الحبس يمنعه استيفاء حقه وإن كان محبوسا عند الحاكم فسلمه إليه محبوسا لزمه تسليمه لأن حبس الحاكم لا يمنعه استيفاء حقه، وإذا طالب الحاكم بإحضاره أحضره مجلسه وحكم بينهما ثم يرده إلى الحبس وإن توجه عليه حق للمكفول له حبسه بالحق الأول أو حق المكفول له (٢).


(١) المغنى للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ ٥ ص ٩٨، ص ٩٩ في كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى بتصحيح السيد محمد رشيد رضا الطبعة الأولى مطبعة المنار في مصر سنة ١٣٤٧ هـ.
(٢) المرجع السابق جـ ٥ ص ٩٩، ١٠٠ نفس الطبعة.