على استعماله بيقين وليس البعض أولى من البعض فينتقض تيممهم احتياطا ولو كان لرجل ماء فقال أبحث لكم هذا الماء يتوضأ به أيكم شاء، وهو قدر ما يكفى لوضوء أحدهم انتقض تيممهم جميعا لما قلنا، ولو قال هذا الماء لكم لا ينتقض تيممهم باجماع بين أصحابنا أما على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى فلأن هبة المشاع فيما يحتمل القسمة لا تصح فلم يثبت الملك رأسا، وأما على أصلهما فالهبة وان صحت وأفادت الملك لكن لا يصيب كل واحد منهم ما يكفى لوضوئه فكان ملحقا بالعدم حتى أنهم لو أذنوا لواحد منهم بالوضوء انتقض تيممه عندهما لأنه قدر على ما يكفى للوضوء، وعنده الهبة فاسدة فلا يصح الاذن (١) وان وجد الماء فى الصلاة فان وجده قبل أن يقعد قدر التشهد الأخير انتقض تيممه وتوضأ به واستقبل الصلاة لأن طهارة التيمم انعقدت ممدودة الى عاية وجود الماء بالحديث الذى روينا، فتنته عند وجود الماء فلو أتمها لأتم بغير طهارة، وهذا لا يجوز، وبه تبين أنه لم تبق حرمة الصلاة وان وجده بعد ما قعد قدر التشهد الأخير أو بعد ما سلم وعليه سجدتا السهو وعاد الى السجود فسدت صلاته عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ويلزمه الاستقبال، وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يبطل تيممه وصلاته تامة وهذه من المسائل المعروفة بالأثنى عشرية، والأصل فيها أن ما كان من أفعال المصلى يفسد الصلاة لو وجد فى أثنائها لا يفسدها أن وجد فى هذه الحالة باجماع بين أصحابنا مثل الكلام والحدث العمد والقهقهة ونحو ذلك وأما ما ليس من فعل المصلى بل هو معنى سماوى لكنه لو اعترض فى أثناء الصلاة يفسد الصلاة، فاذا وجد فى هذه الحالة هل يفسدها.
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يفسدها وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يفسدها وذلك كالمتيمم يجد ماء والماسح على الخفين اذا انقضى وقت مسحه، والعارى يجد ثوبا والأمى يتعلم القرآن وصاحب الجرح السائل ينقطع عنه السيلان وصاحب الترتيب اذا تذكر فائتة ودخول وقت العصر يوم الجمعة وهو فى صلاة الجمعة، وسقوط الخف عن الماسح عليه اذا كان واسعا بدون قلعه وطلوع الشمس فى هذه الحالة لمصلى الفجر والمومى اذا قدر على القيام والقارئ اذا استخلف أميا. والمصلى بثوب فيه نجاسة أكثر من قدر الدرهم ولم يجد ماء ليغسله فوجد فى هذه الحالة، وقاضى الفجر اذا زالت الشمس، والمصلى اذا سقط الجبائر عنه برء.
ومن مشايخنا من قال أن حاصل الاختلاف يرجع الى أن خروج المصلى من الصلاة بفعله فرض عند أبى حنيفة وعندهما ليس بفرض، ومنهم من تكلم فى المسئلة من وجه آخر، وجه قولهما أن الصلاة قد انتهت بالقعود قدر التشهد لانتهاء أركانها قال النبى صلّى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه حين علمه التشهد: اذا قلت هذا وفعلت هذا فقد تمت صلاتك والصلاة بعد تمامها لا تحتمل الفساد ولهذا لا تفسد بالسلام والكلام والحدث العمد والقهقهة ودل الحديث على أن الخروج بفعله ليس بفرض لأنه وصف الصلاة بالتمام، ولا تمام يتحقق مع بقاء ركن من أركانها.
ولهذا قلنا أن الصلاة على النبى صلّى الله عليه وسلم فى الصلاة ليست بفرض وكذا اصابة لفظ السّلام لأن تمام الشئ وانتهاءه مع بقاء شئ منه محال الا أنه لو قهقه فى هذه الحالة تنتقض طهارته لأن انتقاضها يعتمد قيام التحريمة وانها قائمة فأما فساد الصلاة فيستدعى بقاء التحريمة مع بقاء الركن ولم يبق عليه ركن من أركان الصلاة لما بينا، ولأن الخروج من الصلاة ضد الصلاة لأنه تركها وضد الشئ كيف يكون ركنا له، ولأن عند أبى حنيفة يحصل الخروج بالحدث
(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج ١ ص ٥٦، ص ٥٧ الطبعة الأولى طبع شركة المطبوعات العالمية بمصر سنة ١٣٢٧ هـ.