للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن كان بمكة وأراد أن يعتمر خرج من الحرم إلى الحل من أى جانب شاء وأقرب الجوانب التنعيم وعنده مسجد عائشة رضى الله تعالى عنها. وسبب ذلك أنها قالت يا رسول الله: أوكل نسائك ينصرفن بنسكين وأنا بنسك واحد فأمر أخاها عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم مكان العمرة التى رفضتها فمن ذلك الوقت عرف الناس موضع إحرام العمرة فيخرجون إليه إذا أرادوا الإحرام بالعمرة.

ويستمر المعتمر حتى يقدم مكة ويدخل المسجد، فيبدأ بالحجر فيستلمه ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة. ثم يحلق أو يقصر، وقد فرغ من عمرته وحل له كل شئ. هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عمرة القضاء حين اعتمر من الجعرانة.

ثم إن المعتمر يقطع التلبية فى العمرة حين يستلم الحجر الأسود عند أول شوط‍ من الطواف بالبيت.

وعند مالك رحمه الله تعالى: كلما وقع بصره على البيت يقطع التلبية، لأن العمرة زيارة البيت وقد تم حضوره بوقوع بصره على البيت، ولكنا نستدل بحديث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم فى عمرة القضاء قطع التلبية حين استلم الحج الأسود.

والمعنى فيه أن قطع التلبية هنا عند الطواف بالاتفاق.

ثم إن فى العمرة بعد الطواف والسعى يحلق عندنا. وعلى قول مالك رحمه الله تعالى: لا حلق عليه إنما العمرة الطواف والسعى فقط‍.

وحجتنا قوله تعالى: «مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ١»}.

وهو بشرى لهم بما عاينوه فى عمرة القضاء وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم أمرهم بالحلق وحلق رأسه فى عمرة القضاء، ولأن التحرم للإحرام بالتلبية والتحلل بالحلق، فكما سوى بين إحرام العمرة وإحرام الحج فى التحرم فكذلك فى التحلل.

وفى المبسوط‍ (٢): إذا طاف المعتمر أربعة أشواط‍ من طواف العمرة فى أشهر الحج، بأن كان أحرم بالعمرة فى رمضان فطاف ثلاثة أشواط‍ ثم دخل شوال فأتم طوافه وحج من عامه ذلك كان متمتعا.

وإن كان طاف الأكثر فى رمضان لم يكن متمتعا، لأن الأكثر يقوم مقام الكل.

وعلى هذا لو جامع المعتمر بعد ما طاف لعمرته أربعة أشواط‍ لم تفسد عمرته ويمضى فيها وعليه دم. وإن جامع بعد ما طاف لها بثلاثة أشواط‍ فسدت عمرته فيمضى فى الفاسد حتى يتمها وعليه دم للجماع وعمرة مكانها.

لما ذكرنا أن الأكثر يقوم مقام الكل، وجماعه بعد إكمال طواف العمرة غير مفسد، لأنها صارت مؤداة بأداء ركنها، فكذلك بعد أداء الأكثر من الطواف.


(١) الآية رقم ٢٧ من سورة الفتح.
(٢) كتاب المبسوط‍ لشمس الدين السرخسى ج ٤ ص ٤٥ وما بعدها الطبعة السابقة.