للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الدية فجبر دم المؤمن، واما كونها على العاقلة فهو تخفيف له حيث لم يقصد الى قتله ولا يسقط‍ الخطأ شيئا من حقوق الخلق فيلزم من أخطأ فى مال الغير ضمانه (١).

أما الجهل فانه بالنظر الى حال الجاهلين على أربعة أقسام:

القسم الأول: هو ما لا يقبل فى الديانة مثل جهل من يعبد الصنم من دون الهه تعالى فان عبادة الأصنام لم تكن فى حال من الديانة فهى باطلة فى جميع الشرائع فالتمسك بها ضلال ظاهر لظهور الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على بطلانها، ولهذا كان حكم أهل هذا النوع اجراء حكم الشرع عليهم.

القسم الثانى: هو ما يقبل الدينونة مثل جهل أهل الكتب السابقة من اليهود والنصارى وغيرهم شريعة نبينا صلّى الله عليه وسلّم فان جهلهم فى ذلك قابل للدينونة سواء كان أهل الكتب السابقة عجما أو عربا لأن المعتبر هنا الديانة لا النسب وسواء كانوا جاهلين بحقيقة نبينا أم متجاهلين بها فانا نقطع أن فى اليهود والنصارى من يعرف ان ما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم حق لقول الله عز وجل:

«يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (٢).

لكن لما كان علمهم بذلك غير نافع لهم حيث لم يعملوا بموجبه نزلوا فى ذلك منزلة من لا يعلم فأجرى عليهم أحكام الجاهلين من أهل ملتهم، ولأهل هذا الصنف أحكام يرجع الى تفصيلها فى أحكام أهل الحرب وأهل الذمة.

القسم الثالث: هو جهل دون جهل من مر من عباد الأصنام وأهل الكتب السالفة وذلك جهل من اعترف بالاسلام وهو على أنواع ثلاثة:

النوع الأول: جهل من اعتقد فى دينه الهوى بجهله صفات المولى سبحانه وتعالى أو بجهله حكم الله فى الآخرة وذلك كجهل الأشعرية ومن وافقهم فى اعتقادهم أن صفات الذات معان حقيقية قائمة بالذات وفى اعتقادهم أن ذاته تعالى يصح أن ترى وانها سترى سبحانه وتعالى. وفى اعتقادهم ان الشفاعة لأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وفى اعتقادهم خروج الفاسق من النار وهذا كله جهل لما عليه الأدلة الشرعية لكنهم تأولوا تلك الأدلة وحكم هؤلاء أن يبين لهم فساد معتقدهم ويوضح لهم الحق فان قبلوه والا دعاهم الامام الى الدخول فى طاعته فان اذعنوا بذلك كان لهم ما لنا وعليهم ما علينا ويتركون ومعتقدهم لكن يمنعون من الدعوة اليه ومن اظهاره للعوام مخافة التلبيس فان لم يمتنعوا عاقبهم الامام بقدر ما يرى من العقوبة فى ذلك.

النوع الثانى: جهل البغاة وقد تقدم حكمه فى اعذار الباغى.

النوع الثالث: جهل يكون شبهة يدرأ به الحد دون غيره من الأحكام وذلك كمن تسرى أمة زوجته يظن انها له فى ذلك مثل أمته فان


(١) المرجع السابق ج ٢ ص ٢٧٠، ٢٧١ نفس الطبعة.
(٢) الآية رقم ١٤٦ من سورة البقرة