ما دونها إلا بعد تجديد دعوى ونكول المدعى عليه لأنَّهُ إنما نكل عن عشرة والناكل عنها لا يكون ناكلا عن بعضها، هذا إذا لم يسندها إلى عقد، بخلاف ما إذا أسندها إليه كأن قالت له نكحتنى أو بعتنى دارك بعشرة فحلف ما نكحتك أو ما بعتك بعشرة كفى لأن المدعى للنكاح أو البيع بعشرة غير مدع له بما دونها، فإن نكل عن اليمين لم يكن لها أن تحلف على الأقل إلا بدعوى مجددة، ولو ادعى عليه مالا فأنكر وطلب منه اليمين فقال لا أحلف وأعطى المال لم يلزمه قبوله من غير إقرار، وله تحليفه لأنَّهُ لا يأمن أن يدعى عليه بما دفعه بعد، وكذا لو نكل عن اليمين وأراد المدعى أن يحلف يمين الرد فقال خصمه أنا أبذل المال بلا يمين فيلزمه الحاكم بأن يقر وإلا حلف المدعى (١). وقال صاحب المهذب: فإن امتنع عن اليمين لم يسأل عن سبب امتناعه، فإن ابتدأ وقال امتنعت لأنظر في الحساب أمهل ثلاثة أيام لأنها مدة قريبة ولا يمهل أكثر منها لأنها مدة كثيرة، فإن لم يذكر عذرا لامتناعه جعله ناكلا ولا يقضى عليه بالحق بنكوله لأن الحق إنما يثبت بالإِقرار أو البينة، والنكول ليس بإقرار ولا بينة، فإن بذل اليمين بعد النكول لم يسمع لأن بنكوله ثبت للمدعى حق وهو اليمين فلم يجز له إبطاله عليه، فإن لم يعلم المدعى أن اليمين صارت إليه قال له القاضي أتحلف وتستحق، وإن كان يعلم فله أن يقول ذلك وله أن يسكت، وإن قال أحلف ردت اليمين عليه لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - رد اليمين على صاحب الحق، وروى أن المقداد استقرض من عثمان مالا فتحاكما إلى عمر فقال المقداد هو أربعة آلاف وقال عثمان سبعة آلاف فقال المقداد لعثمان احلف أنه سبعة آلاف فقال عمر إنه أنصفك فلم يحلف عثمان، فلما ولى المقداد قال عثمان واللّه لقد أقرضته سبعة آلاف فقال عمر لم لم تحلف فقال خشيت أن يوافق ذلك به قدر بلاء فيقال بيمينه. واختلف قول الشافعي رضى الله تعالى عنه في نكول المدعى عليه مع يمين المدعى فقال في أحد القولين هما بمنزلة البينة لأنَّهُ حجة من جهة المدعى، وقال في القول الآخَر هما بمنزلة الإِقرار وهو الصحيح لأن النكول صادر من جهة المدعى عليه واليمين ترتب عليه وله فصار كإقراره، فإن نكل المدعى عن اليمين سئل عن سبب نكوله، والفرق بينه وبين المدعى عليه حيث لم يسأل عن سبب نكوله أن بنكول المدعى عليه وجب للمدعى حق في رد اليمين والقضاء له فلم يجز سؤال المدعى عليه، وبنكول المدعى لم يجب لغيره حق فيسقط بسؤاله، فإن سئل فذكر أنه امتنع من اليمين لأن له بينة يقيمها وحسابا ينظر فيه فهو على حقه من اليمين ولا يضيق عليه في المدة ويترك ما تارك، والفرق بينه وبين المدعى عليه حيث قلنا أنه لا يترك أكثر من ثلاثة أيام أن بترك المدعى عليه يتأخر حق المدعى في الحكم له وبترك المدعى لا يتأخر إلا حقه، وإن قال امتنعت لأنى لا أختار أن أحلف حكم بنكوله فإن بذل اليمين
(١) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى المنوفى المصري الأنصاري الشهير بالشافعى الصغير جـ ٨ ص ٣٢٦، ص ٣٢٧ في كتاب أسفله حاشية أبى الضياء نور الدين على بن علي الشبراملسى، وعلى هامشه حاشية أحمد بن عبد الرازق بن محمد بن أحمد المعروف بالمغربى الرشيدى طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة ١٣٥٧ هـ سنة ١٩٣٨ م.