للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: ينتقض العهد بمخالفته وهو أحد عشر شيئا: الامتناع من بذل الجزية، وجرى أحكامنا عليهم إذا حكم بها حاكم، والاجتماع على قتال المسلمين والزنا بمسلمة؛ وإصابتها باسم نكاح، وفتن مسلم عن دينه؛ وقطع الطريق عليه، وقتله، وإيواء جاسوس المشركين؛ والمعاونة على المسلمين بدلالة من المشركين على عوراتهم أو مكاتبتهم. وذكر الله تعالى أو كتابه أو دينه أو رسوله بسوء؛ فالخصلتان الأوليان ينتقض العهد بهما بلا خلاف في المذهب وهو مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه؛ وفى معناهما قتالهم للمسلمين منفردين أو مع أهل الحرب لأن إطلاق الأمان يقتضى ذلك، فإذا فعلوه نقضوا الأمان لأنهم إذا قاتلونا لزمنا قتالهم وذلك ضد الأمان وسائر الخصال فيها روايتان: الرواية الأولى منهما: أن العهد ينتقض بها سواء شرط عليهم ذلك أو لم يشترط، وظاهر مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه قريب من هذا إلا أن ما لم يشترط عليهم لا ينتقض العهد بتركه ما خلا الخصال الثلاثة الأولى فإنه يتعين شرطها وينتقض العهد بتركها بكل حال، وقال أبو حنيفة لا ينتقض العهد إلا بالامتناع من الإمام على وجه لا يتعذر معه أخذ الجزية منهم، ويدل لنا مع ما ذكرناه ما روى أن عمر رضى الله تعالى عنه رفع إليه رجل قد أراد استكراه امرأة مسلمة على الزنا فقال ما على هذا صالحناكم وأمر به فصلب في بيت المقدس، ولأن فيه ضررا على المسلمين فأشبه الامتناع من بذل الجزية وكل موضع قلنا لا ينتقض عهده فإنه إن فعل ما فيه حد أقيم عليه حده أو قصاصه، وإن لم يوجب حدا عذر ويفعل به ما ينكف به أمثاله عن فعله فإن أراد أحد منهم فعل ذلك كف عنه فإن مانع بالقتال نقض عهده، ومن حكمنا بنقض عهده منهم خير الإمام فيه بين أربعة أشياء القتل والاسترقاق والفداء والمن كالأسير الحربى لأنه كافر قدرنا عليه في دارنا بغير عهد ولا عقد ولا شبهة فأشبه اللص الحربى؛ ويختص ذلك به دون ذريته لأن النقض إنما وجد منه دونهم فاختص به كما لو أتى ما يوجب حدا أو تعزيرا (١). قال صاحب الشرح الكبير: ويجوز أن يشترط الإمام عليهم في عقد الذمة ضيافة من يمر بهم من المسلمين لما روى الإمام أحمد رضى الله تعالى عنه بإسناده عن الأحنف بن قيس أن عمر رضى الله تعالى عنه شرط على أهل الذمة ضيافة يوم وليلة وأن يصلحوا القناطر، قال القاضي رحمه الله تعالى: وإذا شرط عليهم الضيافة فإنه يشترط أن يبين أيام الضيافة وعدد من يضاف من الرجالة والفرسان فيقول تضيفون في كل سنة مائة يوم في كل يوم عشرة من المسلمين من خبز كذا وأدم كذا وللفرس من الشعير كذا ومن التبن كذا لأنه من الجزية فاعتبر العلم به كالنقود، فإن شرط الضيافة مطلقا صح في الظاهر لأن عمر رضى الله تعالى عنه شرط عليهم ذلك من غير عدد ولا تقدير، قال أبو بكر رحمه الله تعالى: وإذا أطلق مدة الضيافة فالواجب يوم وليلة لأن ذلك الواجب على المسلمين، ولا يكلفون الذبيحة ولا أن يضيفوهم بأرفع من طعامهم لأنه يروى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه اشتكى إليه


(١) المغني للإمام موفق الدين أبى عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ ١٠ ص ٦٠٦ وما بعدها إلى ص ٦٠٩ في كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى بتصحيح السيد محمد رشيد رضا الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة ١٣٤٨ هـ.