للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسافر في رمضان إذا أقام بعد نصف النهار أو قبله بعد الأكل. أما إذا أقام قبل فوات نصف النهار وقبل الأكل فيه فإنه يجب عليه الصوم وإن كان نوى الفطر.

ومثل ذلك المجنون إذا أفاق بعد الأكل أو بعد فوات وقت النية فإنه يجب عليه الإمساك وأما إذا أفاق قبل الأكل وقبل فوات النية فإنه يجب عليه أن يصوم كل من وجب عليه الصوم في أول النهار لوجود سبب الوجوب والأهلية ثم تعذر عليه المضى فيه بأن أفطر متعمدا أو خطأ أو مكرّها أو أصبح يوم الشك مضطرا ثم تبين أنه من رمضان، أو تسحر على ظن أن الفجر لم يطلُع ثم تبين له أنه طلع، أو أفطر وهو يظن أن الشمس قد غربت ثم تبين له خلافه فإنه يجب عليه الإمساك في بقية اليوم تشبها بالصائمين.

لأنه إذا لم يمسك وأكل ولا عذر به اتهمه الناس بالفسق. والتحرز عن مواضع التهم واجب، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن الله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم".

وقيل: إمساكهم مستحب لا واجب، ذكر هذا محمد بن شجاع وبعض المشايخ، لقول أبى حنيفة في الحائض تطهر نهارا: لا يحسن أن تأكل وتشرب والناس صيام، ولأنهم مفطرون فعلا فكيف يجب عليهم الكف عن المفطرات والصحيح هو وجوب الإمساك عن المفطرات في كل ذلك، قال ذلك الإمام الصفّار وبعض مشايخ المذهب، لأن محمد بن الحسن ذكر في كتاب الصوم: فليصم بقية يومه والأمر للوجوب، وقال في الحائض إذا طهرت في أثاء النهار: فلتدع الأكل والشرب وهذا أمر أيضا.

ومعنى قول أبى حنيفة: "لا يَحْسُنُ لها أن تأكل" تعليل للوجوب: أي لا يحسن بل تَقْبُح. وترك القبيح شرعا من الواجبات، وهذا هو الموافق للدليل. وهو ما ثبت من أمره قل بالإمساك لمن أكل في يوم عاشوراء حين كان صومه فرضا (١). وأجيب عن المعقول: بأن زمان رمضان وقت شريف فيجب تعظيم هذا الوقت بالقدر الممكن إذا كان الشخص أهلا للتشبه. ونفيا لتعريض نفسه للتهمة والإمساك الواجب هنا لا يجب خلفا عن الصوم حتى ينافى الإفطار المتقدم بل يجب قضاء لحق الوقت وحرمته بالتشبه بالصائمين.

أما المسافر والمريض فلهما الأكل جهرا رواية واحدة.

وفيما عدا هذا لا يجب الإمساك بل يستحب.

فقد أجمعوا على أن الإمساك لا يجب على الحائض والنفساء والمريض والمسافر حال قيام الحيض والنفاس والمرض والسفر.

وهل تأكل الحائض والنفساء سرا أو جهرا؟. قيل سرا. وقيل: جهرا ولا يجب عليها التشبه بالصائم حال قيام العذر، لأن صومها حرام والتشبه بالحرام حرام.

وكذلك يجب الإمساك على الصبى إذا بلغ والكافر إذا أسلم والمريض إذا برأ من مرضه في


(١) رواه البخارى ومسلم عن الربيّع بنت مُعَوِّذ (انظر: نيل الأوطار للشوكانى جـ ٤ ص ١٩٨) الطبعة الأولى الطبعة العثمانية سنة ١٣٥٧ هـ.