{ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً»}.
وقوله: «لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ»}.
فان هذه الآيات تدل على أنه يشترط لاثبات الزنا أربعة من الرجال، لأنه فى مقام بيان الحجة المثبتة لهذه الجريمة وترتيب العقوبة التى حددها الشارع على ثبوتها ولفظ أربعة فى الآيات اسم للعدد، وقد جاء مؤنثا فدل على أن المعدود مذكر كما تقتضيه قواعد العربية.
وقد قام الاجماع وهو من أقوى الحجج على اعتبار مفهوم العدد. وعلى اعتبار الذكورة فيه.
وقوله «(منكم) فى الآية الأولى يدل على ذلك.
وقد رتب فى الآية الثانية جلد القاذف بالزنا على عدم اتيانه بأربعة شهداء لاثبات الزنا الذى قذف به، فدل على أنه لا يثبت بأقل من هذا العدد.
ورتب فى الآية الثالثة اعتبار من رموا المحصنات بالزنا كاذبين على عدم اتيانهم بأربعة شهداء يثبتون صحة ما رموا به فدل ذلك على أن اثباته لا يكون الا بأربعة شهداء.
ولا يقال أنه ليس فى هذه الآيات الا بيان جواز العمل بهذا العدد. وليس فيها ما يدل على وجوب العمل به ومنع العمل بأقل منه. لأن الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم الى يومنا هذا قد اجمعوا على أن شهود الزنا اذا نقص عددهم عن الأربعة لا تثبت جريمة الزنا ولا يحد المشهود عليه حد الزنا.
ويعتبر الشهود قذفة فى حق المشهود عليه ويحدون حد القذف.
وقد ثبت بالدليل الواضح الذى لا خلاف عليه من أحد أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قد حد الثلاثة الذين شهدوا عنده على المغيرة بن شعبة بالزنا ولم يعتبر شهادتهم مثبتة للزنا لنقصان العدد عما حدده الشارع نصابا للشهادة المثبتة فيه.
ولو كان الزنا يثبت بما دون الأربعة لاعتبر شهادتهم مثبته ولحد المشهود عليه حد الزنا ولما حدهم حد القذف.
وانما اشترط الشارع الحكيم فى الشهادة على الزنا أربعة شهداء. وحكم بأنه اذا لم يتم العدد أربعة يحد أولئك الذين شهدوا بالزنا وقالوا به ولو ثلاثة حد القذف، واعتبروا ظالمين كذابين فى نظر الشارع وفى نظر الناس، لأن هذه الجريمة جريمة خفية لا تصدر ممن يرتكبها الا فى تخف شديد وتستر عن أعين الناس واحساسهم بحيث لا يعلم بها