ابن عباس عن ابن عمر مثلا اعتمد عليه فهؤلاء قد تواتر عند الناس عدالتهم وأحوالهم.
والعدالة انما تعرف بالخبرة والمشاهدة أو بتواتر الخبر فما نزل عنه فهو تقليد وذلك بأن يقلد البخارى ومسلما فى أخبار الصحيحين وأنهما ما رددها الا عمن عرفوا عدالته فهذا مجرد وتقليد وانما يزول التقليد بأن يعرف أحوال الرواة بتسامع أحوالهم وسيرهم ثم ينظر فى سيرهم انها تقتضى العدالة أم لا وذلك طويل وهو فى زماننا مع كثرة للوسائط عسير.
والتخفيف فيه أن يكتفى بتعديل الامام العدل بعد أن عرفنا أن مذهبه فى التعديل مذهب صحيح فان المذاهب مختلفة فيما يعدل به ويجرح فان من مات قبلنا بزمان امتنعت الخبرة والمشاهدة فى حقه ولو شرط أن تواتر سيرته فذلك لا يصادف الا فى الأئمة المشهورين فيقلد فى معرفة سيرته عدلا فيما يخبر فتقلده فى تعديله بعد أن عرفنا صحة مذهبه فى التعديل فان جوزنا للمفتى الاعتماد على الكتب الصحيحة التى ارتضى الأئمة روايتها قصر الطريق على المفتى والا طال الأمر وعسر الخطب فى هذا الزمان مع كثرة الوسائط ولا يزال الأمر يزداد شدة بتعاقب الأعصار فهذه هى العلوم الثمانية التى يستفاد بها منصب الاجتهاد.
ومعظم ذلك يشتمل على ثلاثة فنون علم الحديث وعلم اللغة وعلم أصول الفقه.
فأما الكلام وتفاريع الفقه فلا حاجة اليهما وكيف يحتاج الى تفاريع الفقه وهذه التفاريع يولدها المجتهدون ويحكمون فيها بعد حيازة منصب الاجتهاد فكيف تكون شرطا فى منصب الاجتهاد وتقدم الاجتهاد عليها شرط نعم انما يحصل منصب الاجتهاد فى زماننا بممارسته فهو طريق تحصيل الدربة فى هذا الزمان ولم يكن الطريق فى زمان الصحابة ذلك ويمكن الآن سلوك طريق الصحابة أيضا وهذه «دقيقة» فى التخفيف يغفل عنها الأكثرون اجتماع هذه العلوم الثمانية انما يشترط فى حق المجتهد المطلق الذى يفتى فى جميع الشرع.
وليس الاجتهاد عندى منصبا لا يتجزأ بل يجوز بأن يقال للعالم بمنصب الاجتهاد فى بعض الأحكام دون بعض النظر فمن عرف طريق النظر القياسى فله أن يفتى فى مسألة قياسية وان لم يكن ماهرا فى علم الحديث فمن ينظر فى المسألة المشتركة يكفيه أن يكون فقيه النفس عارفا بأصول الفرائض ومعانيها وان لم يكن قد حصل الأخبار التى وردت فى مسألة تحريم المسكرات أو فى مسألة النكاح بلا ولى فلا استمداد لنظر هذه المسألة منها ولا تعلق لتلك الأحاديث بها.
فمن أين تصير الغفلة عنها أو القصور عن معرفتها نقصا ومن عرف أحاديث قتل المسلم بالذمى وطريق التصرف فيه فيما يضره تصوره عن علم النحو الذى يعرف قول الله تبارك وتعالى «وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ١»}.
وقس عليه ما فى معناه وليس من شرط المفتى أن يجيب عن كل مسألة.
فقد سئل مالك رحمه الله تعالى عن أربعين مسألة فقال فى ست وثلاثين منها لا أدرى.
وكم توقف الشافعى رحمه الله تعالى بل الصحابة رضوان الله عليهم فى المسائل فاذا لا يشترط أن يكون على بصيرة فيما يفتى يدرى ويدرى أنه يدرى ويميز بين ما لا يدرى وبين ما يدرى فيتوقف فيما لا يدرى ويفتى فيما يدرى.
وأما المجتهد فيه فهو كل حكم شرعى ليس فيه دليل قطعى واحترزنا بالشرعى عن العقليات ومسائل الكلام فان الحق فيها واحد والمصيب واحد والمخطئ آثم.
(١) الآية رقم ٦ من سورة المائدة.