للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وانما نعنى بالمجتهد فيه ما لا يكون المخطئ فيه آثما ووجوب الصلوات الخمس والزكوات وما اتفقت عليه الأمة من جليات الشرع فيها أدلة قطعية يأثم فيها المخالف فليس ذلك محل الاجتهاد.

فهذه هى الأركان فاذا صور الاجتهاد التام من أهله وصادف محله كان ما أدى اليه الاجتهاد حقا وصوابا وقد ظن ظانون أن شرط‍ المجتهد أن لا يكون نبيا فلم يجوزا الاجتهاد للنبى صلى الله عليه وسلم وان شرط‍ الاجتهاد أن لا يقع فى زمن النبوة (١) مسألة فى وجوب الاجتهاد على المجتهد وتحريم التقليد عليه.

قال الغزالى (٢): وقد اتفقوا على أنه اذا فرغ من الاجتهاد وغلب على ظنه حكم فلا يجوز له أن يقلد مخالفه ويعمل بنظر غيره ويترك نظر نفسه.

أما اذا لم يجتهد بعد ولم ينظر فان كان عاجزا عن الاجتهاد كالعامى فله التقليد وهذا ليس مجتهدا لكن ربما يكون متمكنا من الاجتهاد فى بعض الأمور عاجزا عن البعض الا بتحصيل علم على سبيل الابتداء كعلم النحو مثلا فى مسألة نحوية وعلم صفات الرجال وأحوالهم فى مسألة خيرية وقع النظر فيها فى صحة الاسناد فهذا من حيث حصل بعض العلوم واستقل بها لا يشبه العامى ومن حيث أنه لم يحصل هذا العلم فهو كالعامى أو بالعالم فيه نظر والأشهر والأشبه أنه كالعامى.

وانما المجتهد هو الذى صارت العلوم عنده بالقوة القريبة.

أما اذا احتاج الى تعب كثير فى التعلم بعد فهو فى ذلك الفن عاجزا وكما يمكنه تحصيله فالعامى أيضا يمكنه التعلم ولا يلزمه بل يجوز له ترك الاجتهاد وعلى الجملة بين درجة المبتدئ فى العلم وبين رتبة الكمال منازل واقعة بين طرفين وللنظر فيها مجال.

وانما كلامنا الآن فى المجتهد لو بحث فى مسألة ونظر فى الأدلة لاستقل بها ولا يفتقر الى تعلم علم من غيره فهذا هو المجتهد فهل يجب عليه الاجتهاد أم يجوز له أن يقلد غيره هذا مما اختلفوا فيه فذهب قوم الى أن الاجماع قد حصل على أن من وراء الصحابة لا يجوز تقليدهم وقال قوم من وراء الصحابة والتابعين وكيف يصح دعوى الاجماع وممن قال بتقليد العالم أحمد بن حنبل واسحاق بن راهوية وسفيان الثورى قال محمد ابن الحسن يقلد العالم الأعلم ولا يقلد من هو دونه أو مثله.

وذهب الأكثرون من أهل العراق الى جواز تقليد العالم العالم فيما يفتى وفيما يخصه.

وقال قوم يجوز فيما يخص دون ما يفتى وخصص قوم من جملة ما يخصه ما يفوت وقته لو اشتغل بالاجتهاد واختار القاضى منع تقليد العالم للصحابة ولمن بعدهم وهو الأظهر عندنا والمسألة ظنية اجتهادية.

والذى يدل عليه أن تقليد من لا تثبت عصمته ولا يعلم بالحقيقة اصابته بل يجوز خطؤه وتلبيسه حكم شرعى لا يثبت الا بنص أو قياس على منصوص ولا نص ولا منصوص الا العامى والمجتهد اذ للمجتهد أن يأخذ بنظر نفسه وان لم يتحقق وللعامى أن يأخذ بقوله.

أما المجتهد انما يجوز له الحكم بظنه لعجزه عن العلم فالضرورة دعت اليه فى كل مسألة ليس فيها دليل قاطع.

أما العامى فانما يجوز له تقليد غيره للعجز


(١) انظر المتصفى من علم الاصول للامام حجة الاسلام الغزالى ومعه كتاب فواتح الرحموت ج‍ ٢ ص ٣٥٠، ٣٥١، ٣٥٢، ٣٥٣، ٣٥٤ طبع المطبعة الأميرية سنة ١٣٢٤ هـ‍ الطبعة الأولى.
(٢) انظر المستصفى للغزالى ومعه فواتح الرحموت ج‍ ٢ ص ٣٨٤، ٣٨٥، ٣٨٦، ٣٨٧، ٣٨٨، ٣٨٩ الطبعة السابقة.