للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن تحصيل العلم والظن بنفسه والمجتهد غير عاجز فلا يكون فى معنى العاجز فينبغى أن يطلب الحق بنفسه فانه يجوز الخطأ على العالم بوضع الاجتهاد فى غير محله والمبادرة قبل استتمام الاجتهاد والغفلة عن دليل قاطع وهو قادر على معرفة جميع ذلك ليتوصل فى بعضها الى اليقين وفى بعضها الى الظن فكيف ينبنى الأمر على عماية كالعميان وهو يصير بنفسه.

وجاء فى الفروق للقرافى (١): ان طالب العلم له أحوال:

الحالة الأولى أن يشتغل بمختصر من المختصرات فى مذهبه فيه مطلقات مقيدة فى غيره وعمومات مخصوصة فى غيره ومتى كان الكتاب المعين حفظه وفهمه كذلك أو جوز عليه أن يكون كذلك حرم عليه أن يفتى بما فيه وان أجاده حفظا وفهما الا فى مسألة يقطع فيها انها مستوعية التقييد وأنها لا تحتاج الى مفتى آخر من كتاب آخر فيجوز له أن ينقلها لمن يحتاجها على وجهها من غير زيادة ولا نقصان وتكون هى عين الواقعة المسئول عنها لا أنها تشبهها ولا تخرج عليها بل هى حرفا بحرف لأنه قد يكون هنا لك فروق تمنع من الالحاق أو تخصيص أو تقييد بمنع من الفتيا بالمحفوظ‍ فيجب الوقف.

الحالة الثانية أن يتسع تحصيله فى المذهب بحيث يطلع من تفاصيل الشروحات والمطولات على تقييد المطلقات وتخصيص العمومات ولكنه مع ذلك لم يضبط‍ مدارك امامه ومسنداته فى فروعه ضبطا متقنا بل سمعها من حيث الجملة من أفواه الطلبة والمشايخ فهذا يجوز له أن يفتى بجميع ما ينقله من مذهبه اتباعا لمشهور ذلك المذهب بشروط‍ الفتيا.

ولكنه اذا وقعت له واقعة ليست فى حفظه لا يخرجها على محفوظاته ولا يقول هذه تشبه المسألة الفلانية لأن ذلك انما يصح ممن أحاط‍ بمدارك امامه وأدلته واقيسته وعلله التى اعتمد عليها مفصلة ومعرفة رتب تلك العلل ونسبتها الى المصالح الشرعية.

وكل شئ أفتى فيه المجتهد فخرجت فتياه فيه على خلاف الاجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلى السالم عن المعارض الراجح لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس ولا يفتى به فى دين الله تعالى فان هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه وما لا نقره شرعا بعد تقرره بحكم حاكم أولى ان لا نقره شرعا اذا لم يتأكد وهذا لم يتأكد فلا نقره شرعا.

والفتيا بغير شرع حرام فالفتيا بهذا الحكم حرام وان كان الامام المجتهد غير عامى به بل مثابا عليه لأنه بذل جهده على حسب ما أمر به.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وان أصاب فله أجران».

والحالة الثالثة أن يصير طالب العلم الى ما ذكرناه من الشروط‍ مع الديانة الوازعة والعدالة المتمكنة فهذا يجوز له أن يفتى فى مذهبه نقلا وتخريجا ويعتمد على ما يقوله فى جميع ذلك.

وقال القرافى (٢): لا يجوز التخريج الا لمن هو عالم بتفاصيل أحوال الا قيسة والعلل ورتب المصالح وشروط‍ القواعد وما يصلح أن يكون معارضا وما لا يصلح.

وهذا لا يعرفه الا من يعرف أصول الفقه معرفة حسنة فاذا كان موصوفا بهذه الصفة وحصل له هذا المقام تعين عليه مقام آخر وهو النظر وبذل الجهد فى تصفح تلك القواعد الشرعية وتلك


(١) انظر الفروق للامام العلامة شهاب الدين أبى العباس أحمد بن ادريس ابن عبد الرحمن الصنهاجى المشهور بالقرافى وبأسفلها حاشية عمدة المحققين سراج الدين أبى القاسم قاسم بن عبد الله الانصارى المعروف بابن الشاطئ ج‍ ٢ ص ١٠٧، ١٠٨ وما بعدهما طبع مطبعة دار أحياء الكتب العربية سنة ١٣٤٥ الطبعة الأولى.
(٢) المرجع السابق ج‍ ٢ ص ١٠٧، ١٠٨، ١٠٩، ١١٠ الطبعة السابقة.