للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرجوعه عن الاقرار الأول باطل لا يقبل منه واقراره الثانى صحيح فيعامل بهما معا.

وفى مذهب المالكية (١): أنه لو قال المقر لفلان على الف درهم من ثمن خمر او خنزير او ميتة أو حر مما لا يصح بيعه. فان صدقه المقر له فى قوله: من ثمن خمر مثلا فلا يصح الاقرار ولا يلزم المقر شئ اذا كان المقر له مسلما.

أما اذا كان ذميا كان له قيمة الخمر. وان لم يصدقه المقر له وانكر انه من ثمن خمر بل قال أنه من ثمن عبد أو دار يحلف المقر له أنها ليست من ثمن خمر فان حلف صح الاقرار ولزمت الالف المقر بها المقر. لانه لما أقر بالالف شغلت ذمته بها فتلزمه. فبعد قوله بعد ذلك من ثمن خمر ندما على الاقرار ورجوعا عنه فلا يقبل منه. وان نكل المقر له عن الحلف وكان مسلما لم يصح الاقرار ولم يلزم المقر شئ. وان كان ذميا كان له قيمة الخمر لا الالف.

ولو قال: لفلان على الف من ثمن عبد اشتريته منه ولكنى لم أقبضه. وقال المقر له بل قبضته. يصح الاقرار ويلزم المقر ما أقر به. وبعد قوله - لم أقبضه - ندما ورجوعا عن الاقرار فلا يقبل منه وهذا صريح وقاطع فى ان الندم على الاقرار والرجوع عنه من المقر لا يقبل منه - وهذا فى الحقوق المالية التى هى فى حقوق العباد وكما هو واضح من الأمثلة.

وجاء فى التبصرة (٢): فإن أقر على نفسه وهو رشيد طائع بمال أو قصاص لزمه.

ولا ينفعه الرجوع. وإن أقر بما يوجب عليه الحد كالزنا والسرقة فله الرجوع. ولكن يلزمه الصداق والمال .. فالمالكية كالحنفية يجيزون الرجوع عن الاقرار فى الحدود الخالصة لله تعالى التى تسقط‍ بالشبهة ويمنعونه فى غير ذلك.

وفى مذهب الشافعية (٣): ولو قال:

هذه الدار لزيد بل لعمرو أو هذه الدار غصبتها من زيد بل غصبتها من عمرو سلمت لزيد اذ من تعلق حقه بشئ بمقتضى اقرار أحد به لم يملك المقر الرجوع عنه سواء أقال ذلك متصلا بما قبله أم منفصلا عنه وان طال الزمن .. ويغرم المقر قيمة العين المقر بها لعمرو على الاظهر لانه حال بين عمرو وبين ملكه باقراره لزيد. والحيلولة سبب الضمان كما لو غصب عمدا فأبق من يده حيث يضمن قيمته لمالكه .. والثانى لا يغرم لعمرو شيئا لان الاقرار له صادف ملك الغير فلا يلزمه به شئ كما لو قال: الدار التى بيد زيد ملك لعمرو حيث لا يلزمه بهذا الاقرار شئ لعمرو لانه صادف ملك الغير وهذا صريح فى عدم جواز الرجوع فى الاقرار الصحيح الذى تعلق به حق الغير. ولكن ذلك فى


(١) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج‍ ٣ ص ٤٠٣، ٤٠٤ ومواهب الجليل للحطاب والاكليل للمواق ج‍ ٥ ص ٢٢٦، ٢٢٧.
(٢) التبصرة لابن فرحون ح‍ ٢ ص ٥٦.
(٣) نهاية المحتاج ج‍ ٥ ص ١٠٣ وما بعدها مغنى المحتاج ج‍ ٢