للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العاجل دون الآجل. وإن كان الكل حالا فلها منع نفسها على ما ذكرنا، فإن سلمت نفسها قبل قبضه ثم أرادت منع نفسها حتى تقبضه فقد توقف أحمد رضى الله تعالى عنه عن الجواب فيها، وذهب أبو عبد الله بن بطة وأبو إسحاق بن شاقلا رضى الله تعالى عنهما إلى أنها ليس لها ذلك وهو قول مالك والشافعى وأبى يوسف ومحمد رضى الله تعالى عنهم لأن التسليم استقر به العوض برضى المسلم فلم يكن لها أن تمتنع منه بعد ذلك كما لو سلم البائع المبيع. وذهب أبو عبد الله بن حامد رضى الله تعالى عنه إلى أن لها ذلك - وهو مذهب أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه - لأنه تسليم يوجهه عليها عقد النكاح فملكت أن تمتنع من قبل قبض صداقها كالأول، فأما إن وطأها مكرهة لم يسقط به حقها من الامتناع لأنه حصل بغير رضاها كالمبيع إذا أخذه المشترى من البائع كرها، وإن أخذت الصداق فوجدته معيبا فلها منع نفسها حتى يبدله أو يعطيها أرشه لأن صداقها صحيح، وإن لم تعلم عيبه حتى سلمت نفسها خرج على الوجه من فيما إذا سلمت نفسها قبل قبض صداقها ثم بدا لها أن تمتنع، وكل موضع قلنا لها الامتناع من تسليم نفسها فلها السفر بغير إذن الزوج لأنه لم يثبت للزوج عليها حق الحبس فصارت كمن لا زوج لها، ولو بقى منه درهم كان كبقاء جميعه لأن كل من ثبت له الحبس بجميع البدل ثبت له الحبس ببعضه كسائر الديون. وإن أعسر الزوج بالمهر الحال قبل الدخول فلها الفسخ لأنه تعذر الوصول إلى عوض العقد قبل تسليم المعوض فكان لها الفسخ كما لو أعسر المشترى بالثمن قبل تسليم المبيع، وإن أعسر بعد الدخول فعلى وجهين مبنيين على منع نفسها، فإن قلنا لها منع نفسها بعد الدخول فلها الفسخ كما قبل الدخول، وإن قلنا ليس لها منع نفسها فليس لها الفسخ كما لو أفلس بدين لها آخر، ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم لأنه مجتهد فيه (١) وإذا كانت المرأة لا يوطأ مثلها لصغرها فطلب وليها تسليمها والإِنفاق عليها لم يجب ذلك على الزوج لأن النفقة في مقابلة الاستمتاع ولهذا تسقط بالنشوز، وهذه لا يمكنه الاستمتاع بها، وإن كانت كبيرة فمنعته نفسها أو منعها أولياؤها فلا نفقة لها أيضا لأنها في معنى الناشز لكونها لم تسلم الواجب عليها، فلا يجب تسليم ما في مقابلته من الإِنفاق، وكل موضع لزمته النفقة فيه لزمه تسليم الصداق إذا طولب به، فأما الموضع الذي لا تلزمه نفقتها فيه كالصغيرة والمانعة نفسها فقال أبو عبد الله بن حامد رحمه الله تعالى يجب تسليم الصداق - وهو قول الشافعي رضى الله تعالى عنه - لأن المهر في مقابلة ملك البضع وقد ملكه بخلاف النفقة فإنها في مقابلة التمكين، ورد قوم هذا، وقالوا المهر قد ملكته في مقابلة ما ملكه من بضعها فليس لها المطالبة بالاستيفاء إلا عند إمكان الزوج استيفاء العوض (٢). وإمكان الوطء في الصغيرة معتبر بحالها واحتمالها لذلك، قاله القاضي، وذكر أنهن يختلفن فقد تكون صغيرة السن تصلح وكبيرة لا تصلح، وحده أحمد رضى الله تعالى


(١) المغنى للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ ٨ ص ٨٠، ص ٨١ في كتاب أسفله الشارح الكبير على متن المقنع لشمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى بإشراف وتصحيح السيد محمد رشيد رضا الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار في مصر سنة ١٣٤٨ هـ.
(٢) المرجع السابق جـ ٨ ص ٧٧، ص ٧٨ نفس الطبعة.