للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فان قيل لا نسلم عدم النص فى المسألة بل فيها نصوص كقوله تعالى «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»}. (١) وهذا لا يعلم هذه المسألة، وقوله: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.

قلنا المراد بالاولى أمر العامة بسؤال العلماء اذ ينبغى أن يتميز السائل عن المسئول فالعالم مسئول غير سائل ولا يخرج عن العلماء بكون المسألة غير حاضرة فى ذهنه اذا كان متمكنا من معرفتها من غير تعلم من غيره.

الثانى يحتمل أن يكون معناه اسألوا لتعلموا أى سلوا عن الدليل ليحصل العلم كما يقال كل لتشبع واشرب لتروى.

والمراد بأولى الامر الولاة لوجوب طاعتهم اذ لا يجب على المجتهد طاعة المجتهد وان كان المراد به العلماء فالطاعة على العوام.

ثم هو معارض بعمومات أقوى مما ذكروه يمكن التمسك بها فى المسألة كقوله تعالى «فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ» (٢) وقوله تعالى «لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» وقوله سبحانه «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ}

{لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً» (٣) وقوله تعالى «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ» (٤) وهذا أمر التدبر والاستنباط‍ والخطاب مع العلماء.

ثم لا فرق بين المماثل والاعلم فان الواجب أن ينظر فان وافق اجتهاده الاعلم فذاك وان خالفه فمن أين ينفع كونه أعلم وقد صار مزيفا عنده وظنه عنده أقوى من ظن غيره وله الاخذ بظن نفسه اتفاقا ولم يلزمه الاخذ بقول غيره وان كان أعلم فينبغى أن لا يجوز تقليده.

فان قيل فلم ينقل عن طلحة والزبير ونظرائهما نظر فى الاحكام مع ظهور الخلاف فالاظهر أنهم أخذوا بقول غيرهم.

قلنا كانوا لا يفتون اكتفاء بغيرهم وأما علمهم لنفوسهم لم يكن الا بما عرفوه فان اشكل عليهم شاوروا غيرهم لتعرف الدليل لا للتقليد والله أعلم (٥).


(١) الآية رقم ٤٣ من سورة النمل.
(٢) الآية رقم ٢ من سورة الحشر.
(٣) الآية رقم ٨٢ من سورة النساء.
(٤) الآية رقم ٥٩ من سورة النساء.
(٥) روضة الناظر وجنة المناظر فى أصول الفقه على مذهب الامام أحمد بن حنبل لشيخ الاسلام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسى الدمشقى ج‍ ٢ من ص ٤٣٧ الى ص ٤٤٢ طبع المطبعة السلفية بمصر سنة ١٣٤٢ هـ‍