للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن المرتد اللاحق بدار الحرب يُجعَلُ كالميت حتى يُقَسَّمَ مالُه بين ورثته فكما لا تتحقق عصمةُ النكاح بين الحى والميت فكذلك لا تتحقق عند تباين الدارين حقيقةً وحكمًا؛ فأما إذا خرج إلينا بأمان فتبايُنُ الدارين لم يوجد حكمًا، لأنه من أهل دار الحرب ومتمكن من الرجوع إليها وكذلك إذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فهو من أهل دار الإسلام حكمًا؛ ومَنْعَةُ أهل البغى من جملة دار الإسلام؛ ومن فيها لا يُجْعَلُ بمنزلة الميت حكمًا، والدليل عليه أنه ما خرج إلا قاصدًا إحراز نفسه من المشركين فلا يعتبر مع ذلك القصدُ إلى المراغمة.

ثم قال صاحب (المبسوط): ويستوى في وقوع الفرقة بتباين الدارين أن خرج أحدهما مسلمًا أو ذميًا أو خرج مستأمنًا ثم أسلم أو صار ذميًا؛ لأنه صار من أهل دارنا حقيقة وحكمًا في الفصلين. وإن كان الخارجُ هو الزوجُ فله أن يتزوج أربعًا سواها أو أختها إن كانت في دار الإسلام؛ لأنه لا عدة على التي بقيت في دار الحرب عند فقهاء الحنفية؛ فكان هذا بمنزلة الفرقة قبل الدخول وإذا أسلمت المرأةُ ثم خرج الزوجُ مستأمَنًا فهما على النكاح ما لم تحض ثلاث حيض؛ لأن المستأمَن وإن كان في دارنا صورة فهو من أهل دار الحرب حكمًا؛ فكأنه باقٍ في دار الحرب حتى إذا أسلم الزوج قبل أن تحيض فهما على النكاح، وإن صار الزوج من أهل الذمة قبل أن تحيض ثلاث حيض فهما على النكاح أيضًا، حتى إذا خرجت المرأة فهى امرأته حتى يَعْرِضَ السلطان عليه الإسلام؛ بمنزلة ما لو كان الزوجُ في الأصل ذميًا، وكذلك لو كان الزوجُ هو الذي أسلم في دار الحرب ثم خرجت إلينا ذمية قبل أن تحيض ثلاث حيضٍ فهما على النكاح حتى يَعْرِضَ السلطان عليها الإسلام فأما إذا خرجا مستأمنين ثم أسلمت المرأة ففى رواية هذا الكتاب يتوقف انقطاع النكاح بينهما على انقضاء ثلاث حيض؛ لأن الزوج من أهل دار الحرب فهو بمنزلة ما لو كان في دار الحرب؛ وفى رواية كتاب الطلاق يقول وإن عَرَضَ السلطانُ الإسلامَ على الزوج فأبى أن يُسْلِمَ فَرّق بينهما، وإن لم حتى مضى ثلاثُ حيض تقع الفرقةُ أيضًا ففى حق الذمى يتعين عَرْضُ الإسلام؛ وفى حق الحربى في دار الحرب يتعين انقضاء ثلاث حيض؛ وفى حق المستأمن أيُّ الأمرين يوجد تقع به الفرقة؛ لأن المستأمن من وجه يشبه الذمى؛ لأنه تحت يد الإمام يتمكن من عرض الإسلام عليه؛ ومن وجه يشبه الحربي؛ لأنه متمكن من الرجوع إلى دار الحرب؛ فَيُوفّر حَظُّهُ على الشبهين. فلشبهه بالذمى إذا وُجد عَرْضُ الإسلام عليه تقع به الفرقة؛ ولشبهه بالحربي إذا وُجِد انقضاءُ ثلاثِ حيضٍ أولًا تقع به الفرقة (١).

ثم قال صاحب (المبسوط)؛ وإذا خرج أحد الزوجين الحربيين مسلمًا ثم خرج الآخر بعده فلا نفقة على الزوج للزوجة؛ لأن العصمة انقطعت فيما بينهما بخروج أولهما؛ ومعنى هذا أن وجوب نفقة العدة باعتبار ملك اليدِ الثابتِ للزوجِ عليها في حالة العدة، ولهذا لا تجب النفقةُ في العدة من نكاح فاسدٍ أو وطء بشبهة ولا في عدة أم الولد من المَوْلى؛ وتباينُ الدارين كما يقطعُ عصمة النكاحِ يقطع ملكُ اليَدِ الثابت بالنكاح. ثم إن كان


(١) المبسوط: ٥/ ٥٨.