للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى {(لَنُنَجِّيَنَّهُ ١ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ)}.

ثانيا: اجماع المسلمين وأهل اللسان على أن كلمة (لا اله الا الله) كلمة توحيد وأن الناطق بها موحد مثبت للالوهية لله سبحانه وتعالى وناف لها عما سواه ولا تكون كلمة توحيد الا اذا كان فى المستثنى حكم مخالف، وذلك أنما يتم بنفى الالوهية عن غير الله وأثباتها لله، ولو كان نافيا للالوهية عن غير الله فقط‍ وليس مثبتا لها بالنسبة لله لما كان ذلك توحيدا لعدم اشعار اللفظ‍ باثبات الالوهية لله سبحانه وذلك خلاف الاجماع.

وناقش الحنفية هذه الادلة بأن النقل عن أهل اللغة محمول على العرف أذ جرى العرف بأن الاستثناء من الاثبات نفى وبالعكس والكلام فى الدلالة اللغوية لا العرفية، وما نسب الى علماء المعانى انما يصح لو كان مرادهم أنه يصلح جوابا بحسب اللغة والوضع وأما لو أرادوا انه يصلح جوابا لاجل دلالة اللفظ‍ عليه مثل الدلالة على الكيفيات والمزايا كما هو رأيهم ووظيفتهم فلا يصلح دليلا - أما الاستثناء المكرر .. فان نتيجته لم تأت من دلالة الاستثناء على حكم مخالف كما تقولون، وانما جاءت من أن المستثنى من العشرة فى هذا الاقرار مقيد وكذا المستثنى من الثلاثة والحكم بعد الاخراج لوحظ‍ فيه هذا التقييد فالمثال المذكور اقرار بعشرة منقوص منها ما عبر عنه بثلاثة منقوص منها اثنان، وهو الواحد فيبقى من العشرة بعد نقصان هذا الواحد تسعة فهو مقربه لانه به التكلم، وليس فى المستثنى حكم. والتصريح بالحكم المخالف دليل على عدم دلالة الاستثناء على حكم مخالف والا لما كانت هناك حاجة الى التصريح به أما كلمة التوحيد فان دلالتها على التوحيد انما جاءت من عرف الشارع لا من الوضع اللغوى، وهذا أمر خاص لا يلزم منه أن يكون كل استثناء من النفى اثبات.

واستدل الحنفية بما يأتى:

أولا: نقل عن أهل اللغة أن الاستثناء هو تكلم بالباقى بعد الثنيا فليس فيه تكلم بحكم آخر فى المستثنى لا نفيا ولا اثباتا، واذا كان الناس يفهمون من الاستثناء حكما مخالفا فى المستثنى فذلك بطريق الاشارة والضرورة لا بطريق القصد والتناول، فكانت حقيقة الاستثناء ووضعه لغة أخراجا وتكلما بالباقى بعد الثنيا، والاثبات والنفى جاء بالاشارة ضرورة مخالفة حكم المستثنى لحكم المستثنى منه.

وثانيا: لو كان الاستثناء من النفى اثباتا لكان قول النبى صلى الله عليه وسلم:

(لا صلاة الا بطهور) وقوله (لا نكاح الا بولى) مقتضيا صحة الصلاة والنكاح وتحققهما بمجرد وجود الطهارة ووجود الولى، وذلك باطل باتفاق لان للصلاة وللنكاح شروطا أخرى لا تصح بدون توفرها


(١) الاية رقم ٣٢ من سورة العنكبوت.