للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أثبتها حجة هنالك فيلزم العمل بها دون العلم ولا يكون الإجماع حجة قطعية يحكم بتفسيق من خالفها إلا إذا اجتمعت الأمة عالمها وجاهلها ومؤمنها وفاسقها ومحقها ومبتدعها، فإذا اجتمعوا جميعا على حكم لم يسبقهم فيه خلاف وانقرضوا على ذلك من غير أن يرجع أحدهم عن ذلك الحكم، فها هنا يكون الإجماع حجة قطعية، بإجماع جميع من اعتبر الإجماع، وذلك بعد كمال الشروط‍ الآتى ذكرها، ومنها ألا يكون إجماعهم مخالفا للنص، وأن ينقل إجماعهم إلينا التواتر، إلى غير ذلك من الشروط‍ المعتبرة، ودون هذا فالإجماع حجة ظنية، ويكفى اعتبار المجتهدين فى كون الإجماع حجة ظنية على حسب ما اخترناه» (١).

ثانيا: الأدلة على حجيته:

استدل القائلون بحجيته بالكتاب، والسنة، والمعقول (٢): فهى مسالك ثلاثة فى الاستدلال، أما الإجماع فلا يمكن إثبات الإجماع به، لأنه استدلال على الشئ بنفسه (٣).

على أن منهم من قصر الاستدلال على الكتاب والسنة فقط‍، ولم ير أن يستدل بالمعنى المعقول على الحجية.

قالوا: لأن العدد الكثير وإن بعد فى العقل اجتماعهم على الكذب، فلا يبعد اجتماعهم على الخطأ، كاجتماع الكفار على جحد النبوة (٤).

ونحن نذكر المسالك الثلاثة استيعابا للأدلة التى تمسكوا بها:

المسلك الأول: الاستدلال بالكتاب.

استدلوا من الكتاب الكريم بخمس آيات:

الآية الأولى: قوله تعالى: «وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً ٥».

وجه الدلالة: أن الله تعالى جمع بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين فى الوعيد، حيث قال «نُوَلِّهِ ما تَوَلّى، وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ» فيلزم أن يكون اتباع غير سبيل المؤمنين محرما لأنه لو لم يكن حراما لما جمع بينه وبين المحرم الذى هو المشاقة فى الوعيد، فإنه لا يحسن الجمع بين حلال وحرام فى وعيد بأن نقول مثلا: إن زنيت وشربت الماء عاقبتك، وإذا حرم أتباع غير سبيل المؤمنين وجب اتباع سبيلهم لأنه لا مخرج عنهما، أى لا واسطة بينهما، ويلزم من وجوب اتباع سبيلهم كون الإجماع حجة، لأن سبيل الشخص هو ما يختاره من القول أو الفعل أو الاعتقاد (٦)»


(١) شرح طلعة الشمس ص ٧٧، ٧٨ ج‍ ٢.
(٢) ص ٢٨٦ ج‍ ١ من الأحكام للآمدى.
(٣) المستصفى للغزالى ص ١٧٤ ج‍ ١ وإرشاد الفحول ص ٧٠.
(٤) المصدر السابق إرشاد الفحول ص ٧٠، وممن اسقط‍ الاستدلال بالمعقول صاحب هداية العقول الزيدى ص ٢٩٨ ج‍ ٢.
(٥) سورة النساء: ١١٥.
(٦) هذا الكلام للإسنوى فى شرحه على المنهاج ص ٨٦٢ ج‍ ٣ وقد ذكر معناه الآمدى فى الأحكام ص ٢٨٦ ج‍ ١ والشوكانى فى إرشاد الفحول ص ٧٠ وأورده بنصه صاحب هداية العقول فى أصول الزيدية ص ٤٩٩ ج‍ ٢، وجاء بمعناه أيضا فى مسلم الثبوت وشرحه ص ٢١٤ ج‍ ٢ وفى شرح المنار فى أصول الحنفية ص ١٠٩ ج‍ ٢ وغير ذلك.