للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأصح انه يسأله لاحتمال انه زنى فى صباه وهذا السؤال يكون بعد ما نظر فى حاله وعرف انه صحيح العقل كما فعل صلّى الله عليه وسلم، ولا بد من التصريح به فى ذلك.

ولا يكتفى بالكناية لأنه صلّى الله عليه وسلم قال لماعز فهل تدرى ما الزنا قال نعم، وقال له أنكتها ولا تكنى، قال نعم. فاذا بين ذلك وظهر زناه سأله عن الاحصان، فان قال له انه محصن. سأله عن الاحصان ما هو، فان وصفه بشرائطه حكم برجمه، ولا يعتبر اقراره عند غير القاضى ممن لا ولاية له فى اقامة الحدود ولو كان أربع مرات حتى لا تقبل الشهادة عليه بذلك لأنه ان كان منكرا فقد رجع وان كان مقرا لا تعتبر الشهادة مع الاقرار.

ولو أقر بالزنا مرتين وشهد عليه أربعة لا يحد عند أبى يوسف رحمه الله تعالى لأن الاقرار موجود حقيقة لكنه غير معتبر شرعا فأورثت الحقيقة شبهة وهو يدرأ بها فصار كما اذا كانت معتبرة شرعا،

وقال محمد رحمه الله تعالى: يحد لأن هذا الاقرار ليس بحجة فلا يعتد به فيكون الامتناع عن الباقى دليل الرجوع او هو غير صحيح فيه فيلتحق بالعدم شرعا فبقيت الشهادة وحدها هى الحجة فيقبل.

فان رجع عن اقراره قبل الحد أو فى وسطه خلى سبيله لأن الرجوع خبر يحتمل الصدق والكذب كالاقرار الأول فأورث شبهة وهو يدرأ بها وهذا لأن كل واحد من كلاميه يحتملها فلا يمكن العمل بأحدهما لعدم الأولوية فيترك على ما كان بخلاف القصاص وحد القذف لأنه من حقوق العباد وهو يكذبه والحد حق الله تعالى فلا يكذب له والى صحة الرجوع أشار صلّى الله عليه وسلّم بقوله: هلا تركتموه حين أخبر بفرار ماعز.

وقال ابن ابى ليلى رحمه الله تعالى: يحد لوجوبه لاقراره فلا يبطل بعد ذلك بانكاره وهذا لأنه احدى الحجتين فصار ثبوته به كثبوته بالشهادة كالقصاص وحد القذف.

ويستحب للامام أن يلقنه الرجوع بقوله: لعلك قبلتها أو لمستها أو وطئتها بشبهة أو بنكاح أو بملك يمين لأن النبى صلّى الله عليه وسلّم قال لماعز: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت.

قال لا يا رسول الله. قال: أنكتها ولا تكنى؟ قال نعم. فعند ذلك أمر برجمه. رواه البخارى واحمد وأبو داود رضى الله عنهما، وقال صلّى الله عليه وسلّم فى رواية: أنكتها كما يغيب المرود فى المكحلة والرشاء فى البئر؟ قال: نعم. فقال: فهل تدرى ما الزنا؟ قال:

نعم: أتيت منها حراما ما يأتى الرجل من امرأته حلالا. الى آخر الحديث (١).


(١) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق لفخر الدين عثمان بن على الزيلعى ج ٣ ص ١٦٦ - ١٦٧ فى كتاب على هامشه حاشية الشيخ شهاب الدين احمد الشلبى على شرح كنز الدقائق الطبعة الاولى، طبع المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر سنة ١٣١٣ هـ‍.