للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفسه من دم أو حد أو مال. فان وصل الإقرار بما يفسده بطل كله ولم يلزمه شئ لا من مال ولاقود ولا حد. مثل ان يقول: لفلان على مائة دينار. أو يقول: قذفت فلانا بالزنا أو يقول: زنيت. أو يقول: قتلت فلانا أو نحو ذلك فقد لزمه. فان رجع عن ذلك لم يلتفت اليه .. وسواء فى ذلك ان يكون الاقرار بحد من حدود الله الخالصة التى تدرأ بالشبهات أو فى غيرها - لا يجوز الرجوع فيه: فهو يقول فى صفحة ٢٥٢: - وأما الرجوع عن الاقرار فكلهم متفق على ما قلنا الا فى الرجوع عن الاقرار بما يوجب الحد فان الحنفيين والمالكيين قالوا: أن رجع لم يكن عليه شئ ..

وهذا باطل. ثم ناقش وجهة نظرهم وحججهم على الوجه الذى ذكره هناك.

وكلام ابن حزم واضح وقاطع فى عدم جواز الرجوع عن الاقرار فى أية صورة وبأى سبب فتشمل دعوى الكذب فى الاقرار لانها صورة من صور الرجوع فى الاقرار وفى مذهب الزيدية (١): أنه لا يصح رجوع المقر عن اقراره بحال من الاحوال الا ان يكون الاقرار فى حق الله تعالى وكان هذا الحق مما يسقط‍ بالشبهة كالاقرار بالزنا وشرب الخمر وما يوجب القطع فى السرقة فانه يصح الرجوع عن الاقرار بها ويسقط‍ الحد فى الجميع لكن لا يسقط‍ الحق فى المال فى السرقة فلا يؤثر الرجوع فيه ولا يصح الا ان يصادق المقر له على الرجوع فيه فيصح. وأما لو كان حقا لله تعالى ولكن لا يسقط‍ بالشبهة كالزكاة والحرية الاصلية كهذا ابنى أو الطارئة كهذا عتيقى. فانه لا يصح الرجوع عن الاقرار بها وكذلك الاقرار فى سائر حقوق الآدميين المالية وغيز ذلك كالنسب والنكاح والطلاق الرجعى. فانه لا يصح الرجوع عن الاقرار بشئ من ذلك الا ان يصادق المقر له المقر على الرجوع - نحو ان يقر زيد بدين او عين ثم يرجع عن الاقرار ويقول: انه اقرار غير صحيح فهذا صريح فى عدم جواز الرجوع عن الاقرار والقول بأنه اقرار غير صحيح الا بمصادقة المقر له .. ودعوى الكذب فى الاقرار هى بنفسها القول بان الاقرار غير صحيح وهو غير مقبول الا مع المصادقة.

وفى مذهب الإمامية - جاء فى شرائع الإسلام: إذا أشهد بالبيع وقبض الثمن. ثم قال: أنه لم يقبض الثمن. وإنما أشهد بذلك تبعا للعادة. قيل لا يقبل قوله لأنه مكذب لإقراره. وقيل يقبل لأنه أدعى ما هو معتاد.

وهو الأشبه إذ هو ليس مكذبا لإقراره بل هو مدع شيئا آخر فيكون على المشترى اليمين.

وجاء فى الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية: - ولو أشهد شاهدى عدل بالبيع لزيد وقبض الثمن منه. ثم ادعى المواطأة بينه وبين المقر له على الاشهاد من غير أن يقع بيع وقبض. سمعت دعواه لجريان العادة بذلك واحلف المقر له على الاقباض وعلى عدم المواطأة .. ويحتمل عدم سماع دعوى المواطأة فلا يتوجه اليمين على المقر له لانه مكذب لاقراره. ويضعف هذا بأن ذلك واقع تعم به البلوى فعدم سماع الدعوى يفضى الى الضرر.

هذا اذا شهدت البينة على اقراره بها. أما اذا


(١) شرح الأزهار ج‍ ٤ ص ١٤٨، ١٨٥. التاج المذهب ج‍ ٤ ص ٦٣ و ٦٥.