للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفعل الاختيارى بطريق الحاق العذر الزائل بالعدم واذا كان فى حق الأداء الذى هو المقصود ففى حق الوجوب الذى هو وسيلة أولى أن يكون كذلك، يوضحه ان الشرع الحق العارض بالعدم فى حق الأداء، وقت تقرره حيث حكم بصحة الفعل الموجود فى حالة النوم والاغماء.

ونحن فى حق الوجوب الحقنا العارض بالعدم بعد زواله وجعلنا السبب الموجود فى تلك الحالة معتبرا فى حق ايجاب القضاء عند زوال العارض فكان أولى بالصحة (١). لكن الجنون اذا لم يمتد لم يكن عدم اعتباره والحاقه بالعدم وايجاب العبادة معه موقعا فى الحرج.

وقد اختلفوا فى الجنون الذى جعل عفوا اذا زال قبل الامتداد فقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: «الحاق الجنون بالنوم والاغماء وايجاب القضاء عند زواله قبل الامتداد انما يتحقق اذا كان عارضا من كل وجه بأن حدث بعد البلوغ ليمكن الحاقه بالعوارض وجعله عفوا عند عدم الامتداد، فأما اذا بلغ الصبى مجنونا فان حكم هذا الجنون يكون مثل حكم الصبا فاذا زال هذا الجنون فى خلال الشهر صار فى معنى الصبى اذا بلغ فى خلال الشهر فلا يجب عليه قضاء ما مضى.

وقال محمد رحمه الله تعالى: الجنون الأصلى والعارض سواء فى أن غير الممتد من كل واحد منهما ملحق بالعدم، واعتبر محمد رحمه الله تعالى حال الجنون الأصلى وهى امتداده وعدم امتداده وفرق بين الأمرين فى الشئ الذى يزول هذا الجنون عنه من الواجبات مثل الصوم والصلاة، ويلحق محمد الجنون الأصلى بأصل الجنون وهو كونه عارضا - يعنى أن الأصل فى الجنون أن يكون عارضا نظرا الى أن الأصل فى الجبلة سلامتها عن الآفات فكان هذا الجنون أصليا أمرا عارضا فيه فيلحق محمد رحمه الله تعالى هذا العارض بأصل والحاقه الأصل بالعارض انما يتحقق فى زوال الجنون الأصلى قبل انسلاخ شهر رمضان فانه يلحقه بزوال الجنون العارضى قبل الانسلاخ ويوجب قضاء ما مضى من الشهر بزواله ولا يوجبه أبو يوسف رحمه الله تعالى وكذا الحكم فى الصلاة بأن بلغ مجنونا ثم زال الجنون قبل مضى يوم وليلة لزمه قضاء صلوات ما مضى عند من جعل الجنون الأصلى كالعارضى ولا يلزمه قضاؤها عند من فرق بينهما - وذكر الاختلاف فى المبسوط‍ وفتاوى قاضيخان وعامة الكتب على عكس ما ذكر ههنا فقيل وان كان جنونه أصليا بأن بلغ مجنونا ثم أفاق فى بعض الشهر فالمحفوظ‍ عن محمد رحمه الله تعالى أنه ليس عليه قضاء ما مضى لأن ابتداء الخطاب يتوجه عليه الآن فيكون بمنزلة الصبى يبلغ.

وروى هشام عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى أنه قال فى القياس لا قضاء عليه ولكنى استحسن فأوجب عليه قضاء ما مضى من الشهر لأن الجنون الأصلى لا يفارق الجنون العارضى فى شئ من الأحكام وليس فيه رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى، واختلف فيه المتأخرون على قياس مذهبه، والأصح أنه ليس عليه قضاء ما مضى.

وذكر الشيخ أبو المعين: رحمه الله تعالى فى طريقته ما يوافقه فقال فى ظاهر الرواية:

لا فرق بين الجنون الأصلى والعارضى.

وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أنه جعل الذى بلغ مجنونا بمنزلة الصبى والكافر ولم يرد عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى فى هذا شئ منهم من جعل ما روى عن محمد تفسيرا لما أبهم فى ظاهر الرواية.

ومنهم من يجعل هذا قول محمد رحمه الله تعالى خاصة وجه الفرق أن الجنون الحاصل


(١) كشف الأسرار على أصول على بن محمد البزدوى لعبد العزيز البخارى ج‍ ٤ ص ١٣٨٤، ص ١٣٨ طبعة حسن حلمى الريزوى سنة ١٣٠٧ هـ‍ فى كتاب على هامشه أصول البزدوى.