للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قبل البلوغ حصل فى وقت نقصان الدماغ الآفة فيه مانعة له عن قبول الكمال مبقية له على ما خلق عليه من الضعف الأصلى فكان أمرا أصليا فلا يمكن الحاقه بالعدم فتلزمه الحقوق مقتصرة على الحال.

فأما الحاصل بعد البلوغ فقد حصل بعد كمال الأعضاء واستيفاء كل منها القوة فكان معترضا على المحل الكامل بلحوق آفة عارضة فيمكن الحاقه بالعدم عند انتفاء الحرج فى ايجاب الحقوق.

ووجه المساواة بينهما فى الحكم أن الجنون الحاصل قبل البلوغ من قبيل العارض أيضا لأنه لما زال فقد دل ذلك على حصوله عن أمر عارض على أصل الخلقة لا لنقصان جبل عليه دماغه فكان مثل العارض بعد بلوغه.

وحد الامتداد فى الجنون يختلف باختلاف الطاعات لأن بعضها موقت باليوم والليلة وبعضها بالشهر وبعضها بالسنة.

فالامتداد فى حق الصلوات وسائر العبادات يحصل بالكثرة الموقعة فى الحرج لأنه لم يمكنه أداء العبادات مع هذا الوصف واذا زال وقد وجبت العبادات عليه فى حال الجنون اجتمعت عليه واجبات حال الجنون وواجبات حال الافاقة فى وقت واحد فيخرج فى أدائها لكثرتها.

ثم لما لم تكن للكثرة نهاية يمكن ضبطها اعتبر أدناها وهو أن يستوعب العذر وظيفة الوقت الا أن وقت جنس الصلاة يوم وليلة وهو وقت قصير فى نفسه فأكدت كثرتها بدخولها فى حد التكرار. ثم اختلف أصحابنا فيما يحصل به التكرار فاعتبر محمد رحمه الله تعالى دخول نفس الصلوات فى حد التكرار بأن تصير الصلوات ستا لأن التكرار يتحقق به، وأقام أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى الوقت فى دخول الصلوات فى حد التكرار مقام الصلاة، يعنى أنهما اعتبرا الزيادة على يوم وليلة باعتبار الساعات.

هكذا ذكر الاختلاف الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى وفائدة الاختلاف تظهر فيما اذا جن بعد طلوع الشمس ثم أفاق فى اليوم الثانى قبل الزوال او قبل دخول وقت العصر فعند محمد رحمه الله تعالى يجب عليه القضاء لأن الصلوات لم تصر ستا فلم يدخل الواجب فى حد التكرار حقيقة، وعندهما لا قضاء عليه لأن وقت الصلوات الخمس - وهو اليوم والليلة قد دخل فى حد التكرار وان لم يدخل الواجب فيه والوقت سبب فيقام مقام الواجب الذى هو مسببه للتيسير على المكلف باسقاط‍ الواجب عنه قبل صيرورته مكررا.

كما أقيم السفر مقام المشقة وقد روى أن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أغمى عليه أكثر من يوم وليلة فلم يقض الصلوات والعبرة فى المنصوص عليه لعين النص لا للمعنى والجنون فوق الاغماء فى هذا الحكم فيلحق به دلالة والامتداد فى الصوم بأن يستغرق الجنون شهر رمضان وهذا اللفظ‍ يشير الى أنه لو أفاق فى جزء من الشهر ليلا أو نهارا يجب القضاء - وهو ظاهر الرواية وذكر فى الكامل نقلا عن الامام شمس الأئمة الحلوانى رحمه الله تعالى أنه لو كان مفيقا فى أول ليلة من رمضان فأصبح مجنونا واستوعب الجنون باقى الشهر لا يجب عليه القضاء وهو الصحيح لأن الليل لا يصام فيه فكان الجنون والافاقة فيه سواء.

وكذا لو أفاق فى ليلة من الشهر ثم أصبح مجنونا، ولو أفاق فى آخر يوم من رمضان فى وقت النية لزمه القضاء، وان أفاق بعده اختلفوا فيه.

والصحيح أنه لا يلزم القضاء لأن الصوم لا يفتتح فيه. ثم لم يعتبر التكرار فى حق الصوم كما اعتبر فى حق الصلاة لوجهين أحدهما أنا انما شرطنا دخول الصلوات فى التكرار تأكيدا لوصف الكثرة فان أصل الكثرة يحصل باستيعاب الجنس وانما يصار الى المؤكد اذا لم يزد المؤكد على الأصل.