وفى باب الصوم لا يمكن اعتباره لأن المؤكد فيه يزداد على الأصل اذ لا يأتى وقت وظيفة أخرى ما لم يمض أحد عشر شهرا فيزداد ما شرع تابعا على ما شرع بطريق الاصالة وهو فاسد.
ولا يلزم عليه زيادة المرتين على المرة الواحدة فى الوضوء فانها شرعت لتأكيد الغرض مع أنها أكثر عددا من الأصل لأنها لم تشرع شرطا لاستباحة الصلاة بطريق الوجوب، بل الزائد سنة والسنن والنوافل وان كثرت لا تماثل الفرض فلا يرد نقضا لأن المطلوب نفى المماثلة بين التبع والأصل وقد حصل بخلاف ما نحن فيه لأن الزائد فيه شرط كالأصل فلم يجز أن يكون مثلا له.
والثانى: ان الصوم وظيفة السنة لا وظيفة الشهر وان كان أداؤه فى بعض أوقاتها كالصلوات الخمس وظيفة اليوم والليلة وان كان أداؤها فى بعض الأوقات ولهذا كان رمضان الى رمضان كفارة لما بينهما وجعل صوم رمضان مع ست من شوال بمنزلة صيام الدهر كله.
كما ورد به الحديث ثم كما مضى الشهر دخل وقت وظيفة أخرى اذ الاستيعاب لا يتحقق الا بوجود جزء من شوال فكان الجنس كالتكرار بتكرر وقته ويتأكد الكثرة به فلا حاجة الى اعتبار تكرار حقيقة الواجب فكان هذا مثل ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى فى الصلاة.
والامتداد فى حق الزكاة بأن يستغرق الجنون الحول عند محمد رحمه الله تعالى وهو رواية ابن رستم عنه.
ورواية الحسن عن أبى حنيفة والمروى عن أبى يوسف رحمهم الله تعالى فى الأمالى، قال صدر الاسلام: وهذا هو الأصح لأن الزكوات تدخل فى حد التكرار بدخول السنة الثانية.
وروى هشام عن أبى يوسف رحمهما الله ونصف السنة ملحق بالأقل لأن كل وقتها الحول تعالى ان امتداده فى حق الزكاة بأكثر السنة الا أنه مديد جدا فقدر بأكثر الحول عملا بالتيسير والتخفيف فان اعتبار أكثر السنة أيسر وأخف على المكلف من اعتبار تمامها لأنه أقرب الى سقوط الواجب من اعتبار الجميع كما أن اعتبار الوقت فى حق الصلاة أيسر من اعتبار حقيقتها، فاذا زال الجنون قبل هذا الحد الذى ذكرنا فى كل عبادة وهو أصلى كان على الاختلاف المذكور بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى.
وقد بينا ذلك فى حق الصوم والصلاة وبيانه فى حق الزكاة فيما اذا بلغ الصبى مجنونا وهو مالك لنصاب فزال جنونه بعد مضى ستة أشهر ثم تم الحول من وقت البلوغ وهو مفيق وجبت عليه الزكاة عند محمد رحمه الله تعالى لأنه لا يفرق بين الأصلى والعارضى، ولا تجب عليه الزكاة عند أبى يوسف رحمه الله تعالى، بل يستأنف الحول من وقت الافاقة لأنه بمنزلة الصبى الذى بلغ الآن عنده.
ولو كان الجنون عارضيا فزال بعد ستة أشهر وجبت الزكاة بالاجماع لأنه زال قبل الامتداد عند الكل ولو زال الجنون بعد مضى أحد عشر شهرا وجبت الزكاة عند محمد رحمه الله تعالى سواء كان الجنون أصليا أو عارضيا لوجود الزوال قبل الامتداد ولمساواة الأصلى العارضى عنده.
وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى لا تجب الزكاة بوجود الزوال بعد الامتداد.
فالجنون لا ينافى أهلية الوجوب لأنها تثبت بالذمة والصلاحية لحكم الوجوب أى فائدته المقصودة منه وهو استحقاق ثواب الآخرة وباحتمال الأداء. والجنون لا ينافى الذمة لأنها ثابتة لكل مولود من البشر على ما مر بيانه.
ولا ينافى حكم الواجب أيضا لأنه لا ينافى الاسلام اذ المجنون يبقى مسلما بعد جنونه