فلا ينافى استحقاق ثواب الآخرة ولا ينافى احتمال الأداء مرجو منه بالافاقة فى الوقت وخلفه وهو القضاء متوهم بالافاقة خارج الوقت وذلك كاف للوجوب.
كما فى الاغماء فثبت أنه لا ينافى أهلية الوجوب وذلك لأن الأداء مقصور عنه فانه لو نرى الصوم ليلا ثم أصبح مجنونا صح منه الصوم ذلك اليوم لأن الركن بعد النية هو ترك المفطرات وهو يتصور منه كما يتصور من العاقل.
والترك من حيث هو ترك لا يفتقر الى القصد والتمييز، واذا تصور منه اداء كان أهلا للوجوب لأن من كان أهلا للأداء كان أهلا للوجوب.
ومما يوضح أن الجنون لا ينافى الذمة أن المجنون يرث ويملك، وثبوت الارث من باب الولاية لأن الوراثة خلافة والوارث يخلف المورث ملكا وتصرفا حتى أن ما يقطع الولاية كالرق واختلاف الدين يمنع التوارث، وكذا الملك ولاية لأنه استيلاء على المحل شرعا والولاية لا تثبت بدون الذمة.
والجنون لا ينافى أهلية الوجوب الا أن ينعدم الأداء تحقيقا وتقديرا بأن يلزم منه حرج فيصير الوجوب حينئذ معدوما أى لا يثبت أصلا بناء على عدم الأداء.
ولأن الجنون لا ينافى أهلية الوجوب قلنا أن المجنون يؤاخذ بضمان الأفعال فى الأموال على الكمال حتى لو أتلف مال انسان يجب عليه الضمان كما يجب على العاقل لأن المجنون أهل لحكم وجوب المال وهو الأداء على ما قلنا فى باب الأهلية ان المال هو المقصود فى حقوق العباد دون الفعل.
والمقصود يحصل بأداء النائب فكان المجنون من أهل وجوبه كالصبى.
واذا ثبتت أهلية للمجنون كان هذا العارض وهو الجنون من أسباب الحجر، يعنى أن المجنون ليس بعديم الأهلية بحيث لا تعتبر أفعاله وأقواله جميعا كالبهائم، بل له أصل الأهلية حيث يثبت له الأرث والملك.
واعتبر من أفعاله ما يتوقف صحته على العقل نظرا له كالصبا والرق فانهما من أسباب الحجر نظرا للصغير والمولى.
والحجر عن الأقوال صحيح لأن اعتبارها بالشرع فيجوز ان يسقط اعتبارها شرعا بعارض بخلاف الافعال فانها توجد حسا لامر لها فلا يتصور الحجر عنها شرعا.
ففسدت عباراته حتى لم تصح أقاريره وعقوده وغيرها مما يتعلق بالعبارة لأن صحة الكلام بالعقل والتمييز، فبدونهما لا يمكن اعتباره.
وقلنا لم يصح ايمان المجنون حتى لو كان أبواه كافرين فأقر بوحدانية الله تعالى وصحة الرسالة لا يحكم باسلامه لأن ركن الايمان لم يوجد وهو عقد القلب والأداء الصادران عن عقل.
وكذا الحكم فى سائر عباراته أيضا فانها ليست بمعتبرة أصلا لفوات العقل حتى لم تنفذ باجازة الولى فكان المراد من الحجر فيها اخراجها من الاعتبار من الأصل ومع أن الايمان لا يصح من المجنون بنفسه هو مشروع فى حقه بطريق التبعية حتى صار مؤمنا تبعا لأبويه ولم يصح تكليف المجنون بايمان بوجه سواء كان بالغا أو لم يكن لأن صحة التكليف مبنية على العقل الذى هو آلة القدرة وقد عدم الا فى حقوق العباد فان تكليفه بالايمان يصح فيما يرجع الى حقوقهم، فلو أن نصرانيا زوجه أبوه النصرانى امرأة نصرانية فأسلمت المرأة فالقياس أن لا يعرض الاسلام على الأب ولكن يؤخر حتى يعقل وذلك لأن العرض وجب على الزوج وثبت له حق الامساك باسلامه فوجب تأخيره الى حال عقله كما فى الصغير، وفى الاستحسان يعرض الاسلام على الأب لأن الجنون ليس له غاية معلومة فالتأخير الى حال العقل بعد ابطالا لحقها مع أن