فيه فسادا لأن المجنون قادر على الوط ء فصار التأخير ضررا محضا وفسادا، وكلاهما غير مشروع فتعذر الامساك بالأصل - وهو اسلامه تبعا.
وفيه صيانة الحقين بقدر الامكان فصار أولى من ابطال أحدهما فان أسلم الأب بقيا على النكاح والا يفرق بينهما.
وما كان ضررا يحتمل السقوط فغير مشروع فى حق المجنون مثل الصلاة والزكاة والصوم وسائر العبادات فان الزامها نوع ضرر فى حقه وهى تسقط باعذار، ومثل الحدود والكفارات فانها تسقط بالشبهات، فاذا كانت تسقط بالأعذار والشبهات فلأن تسقط بعذر الجنون المزيل للعقل أولى، وكذا الطلاق والعتاق والهبة وما أشبهها من المضار غير مشروع فى حقه حتى يملكها عليه وليه كما لا تشرع فى حق الصبى لأنها من المضار المحضة.
وما كان قبيحا لا يحتمل العفو مثل الكفر فثابت فى حقه حتى أنه يصير مرتدا تبعا لأبويه لأن التصرف الضار وان كان غير ثابت فى حقه الا أن الكفر بالله قبيح لا يحتمل العفو فلا يمكن القول برده بعد تحققه من الأبوين (١).
وكما الحق الجنون بأول أحوال الصغر فى الأحكام الحق العته بآخر أحوال الصبا فى جميع الأحوال أيضا حتى أن العتة لا يمنع صحة القول والفعل كما لا يمنع الصبا مع العقل فيصح اسلام المعتوه وتوكله ببيع مال غيره وطلاق منكوحة غيره وعتاق عبد غيره ويصح منه قبول الهبة كما يصح من الصبى، لكن العته يمنع العهدة أى ما يوجب الزام شئ ومضرة كالصبا فلا يطالب المعتوه فى الوكالة بالبيع والشراء بنقد الثمن وتسليم المبيع ولا يرد عليه بالعيب ولا يؤمر بالخصومة فيه ولا يصح طلاقه امرأة نفسه ولا اعتاقه عبد نفسه باذن الولى وبدون اذنه ولا بيعه وشراؤه لنفسه بدون اذن الولى لأن كل ذلك من العهدة والمضار.
وأما ضمان ما يستهلك من المال فليس من العهدة المنفية عنه لأن المنفى عنه عهدة تحتمل العفو فى الشرع، وضمان المتلف لا يحتمل العفو شرعا لأنه حق العبد، ولأن العهدة اذا استعملت فى حقوق العباد يراد بها ما يلزم بالعقود فى أغلب الاستعمال وهو المراد بها ههنا وضمان المستهلك ليس من هذا القبيل فلا يكون عهدة لكن الضمان شرع جبرا لما استهلك من المحل المعصوم ولهذا قدر المثل وكون المستهلك معتوها لا ينافى عصمة المحل لأنها ثابتة لحاجة العبد اليه لتعلق بقائه وقوام مصالحه به وبالعته لا تزول حاجته اليه عنه فبقى معصوما فيجب الضمان على المستهلك ولا يمتنع بعذر العته.
بخلاف حقوق الله تعالى فانها تجب بطريق الابتلاء وذلك يتوقف على كمال العقل والقدرة وبخلاف الحقوق الواجبة بالعقود لأنها لما وجبت بالعقد وقد خرج كلامهما عن الاعتبار عند استلزامه المضار لم يجعل العقود أسبابا لتلك الحقوق فى حقهما.
ويوضع عن المعتوه الخطاب كما يوضع عن الصبى فلا يجب عليه العبادات ولا يثبت فى حقه العقوبات كما فى حق الصبى وهو اختيار عامة المتأخرين.
وذكر القاضى الامام أبو زيد رحمه الله تعالى فى التقويم أن حكم العته حكم الصبا الا فى حق العبادات فانا لم نسقط به الوجوب احتياطا فى وقت الخطاب وهو البلوغ بخلاف الصبا لأنه وقت سقوط الخطاب.
وذكر صدر الاسلام مشيرا الى هذا القول أن بعض أصحابنا ظنوا أن العته غير ملحق بالصبا بل هو ملحق بالمرض حتى لا يمنع وجوب العبادات وليس كما ظنوا بل العته نوع جنون
(١) المرجع السابق ج ٤ ص ١٣٨٥ وما بعدها الى ص ١٣٩١ نفس الطبعة.