للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الروايات وأسباب النزول وارتباط الآية بما قبلها .. يرجح أن المراد بأولى الأمر .. الأمراء والولاة .. وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} .. وطاعة الإمام العادل ومناصرته من مظاهر التعاون على البر والتقوى ..

قال إمام الحرمين: وإذا ظهر غشمه ولم يرعو لزواجر عن سوء صنيعه بالقول فلأهل الحل والعقد التواطؤ على ردعه ولو بشهر السلاح ونصب الحروب .. وإذا ثبت الإمام بالقهر والغلبة ثم جاء آخر فقهره انعزل وصار القاهر إمامًا ..

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه البخارى: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" وقال فيما يرويه مسلم: "من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع .. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر" .. وقال فيما يرويه مسلم: "من خلع يدا من طاعة لقى الله يوم القيامة ولا حجة له .. ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" .. وقد ورد هذا الحديث ضمن أحاديث أخرى ذكر فيها الإمام والإمامة مما يفسر أنه في هذا السياق ..

ولكن إذا ظلم الإمام أو انحرف عن طريق القرآن الكريم وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الطاهرة .. ولم يرع في مصالح المسلمين وشئونهم إلا ولا ذمة.

فماذا يكون الحكم؟. هل يجب على جماعة المسلمين أن يخرجوا عليه ويقوموا اعوجاجه أو يخلعوه من الإمامة ولو بقوة السلاح وحد السيف .. أو يقوموه بالنصح والإرشاد بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. فإن استقام وإلا صبروا عليه ودعوا له بالهداية؟ اختلف العلماء في ذلك ..

يقول السعد التفتازانى (١): "قال إمام الحرمين: "وإذا جاوز الإمام مع الوقت فظهر ظلمه وغشمه .. ولم يرعو لزاجر عن سوء صنيعه بالقول .. فلأهل الحل والعقد التواطؤ على ردعه ولو بشهر السلاح ونصب الحروب".

ويقول الإمام أبو الحسن الأشعرى (٢): "واختلف الناس في السيف - أي الخروج على الإمام بقوة السلاح ..

فقالت المعتزلة والزيدية والخوارج وكثير من المرجئة: ذلك واجب إذا أمكننا أن نزيل بالسيف أهل البغى ونقيم الحق واحتجوا بقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وقوله سبحانه: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} وقوله: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} ....

وقال قائلون: السيف باطل ولو قتلت الرجال وسبيت الذرية وأن الإمام قد يكون عادلا وقد يكون غير عادل وليس لنا إزالته وإن كان فاسقا .. وهذا قول أصحاب الحديث.

يقول ابن خلدون (٣): وأما الحسين رضى الله عنه فإنه لما ظهر فسق يزيد بن معاوية بعد أن تولى الخلافة - عند الكافة من أهل عصره بعثت شيعة أهل البيت بالكوفة للحسين أن يأتيهم فيقوموا بأمره .. فرأى الحسين أن الخروج على يزيد متعين من أجل فسقه لا سيما ممن له القدرة على ذلك وظنها من نفسه بأهليته للإمامة وشوكته وقدرته على إخراج يزيد.

فأما الأهلية فكانت كما ظن وزيادة ..


(١) شرح المقاصد للسعد التفتازانى جـ ٢ ص ٢٧٢.
(٢) مقالات الإسلاميين للإمام أبو الحسن الأشعرى جـ ٢ ص ٤٥١ وما بعدها.
(٣) مقدمة ابن خلدون ص ١٩٣ طبع كتاب الشعب.