تمكينها قبل حلوله فيستصحب، ولأنها لما رضيت بالتأجيل بنت أمرها على أن لا حق لها في الامتناع فلا يثبت بعد ذلك لانتفاء المقتضى. وأجود هذين الوجهين الثاني. ولو كان بعض المهر حالا وبعض مؤجلا كان لكل منهما حكم مماثلة فلها الامتناع قبل الدخول حتى تقبض البعض الحال وليس لها الامتناع بعد ذلك التأجيل، بل عليها التمكين. وإنما يجب تسليمه إذا كانت مهيأة للاستمتاع، فلو كانت ممنوعة بعذر وإن كان شرعيا كالإحرام لم يلزم لأن الواجب التسليم من الجانبين، فإذا تعذر من أحدهما لم يجب من الآخر. نعم لو كانت صغيرة يحرم وطؤها فالأقوى وجوب تسليم مهرها إذا طلبه الولى لأنه حق ثابت حال طلبه ممن له حق الطلب فيجب دفعه كغيره من الحقوق، وعدم قبض العوض الآخر جاء من قبل الزوج حيث عقد عليها كذلك موجبا على نفسه عوضا حالا ورضى بتأخير قبض المعوض إلى محله، وهذا بخلاف النفقة لأن سبب وجوبها التمكين التام دون العقد، ووجه عدم وجوب تسليم المهر إلى ولى الصغيرة الذي هو خلاف لأقوى قد علم مما سلف من أن الواجب التسليم من الجانبين فإذا تعذر من أن هما لم يجب على الآخر، كما علم جوابه من أن التسليم ليس بواجب من جانب الصغيرة حين صغرها فالعوض من جانبها المؤجل فلا يمنع من تسليم الجانب الآخر الذي هو الحال. وليس لها بعد الدخول الامتناع في أصح القولين لاستقرار المهر بالوطء الأول وهذا دليل على أنه لا تعلق للمهر بالوطء بعد الدخول حتى يصح إمساكه في مقابله بل إنما المتعلق به هو الوطء الأول. وقد حصل تسليمها نفسها برضاها فانحصر حقها في المطالبة دون الامتناع، ولأن النكاح معاوضة ومتى سلم أحد المتعاوضين العوض الذي من قبله باختياره لم يكن له بعد ذلك حبسه ليتسلم العوض الآخر، ولأن منعها قبل الدخول ثابت بالإِجماع ولا دليل علمه بعده فينتفى بالأصل، فإن التسليم حق عليها والمهر حق عليه والأصل عدم تعلق أحدهما بالآخر فيتمسك به إلى أن يثبت الناقل، وقيل لها الامتناع كما لو كانت قبل الدخول لأنه المقصود بعقد النكاح منافع البضع فيكون المهر في مقابلها ويكون تعلق الوطء الأول به كتعلق غيره، والأقوى الأول. هذا كله إذا سلمت نفسها اختيارا، فلو دخل بها كرها فحق الامتناع بحاله لأنه قبض فاسد فلا يترتب عليه أثر الصحيح، ولأصالة البقاء إلى أن يثبت المزيل مع احتمال عدمه لصدق القبض (١). وإذا ظهرت أمارة النشوز للزوج بتقطيب الزوجة في وجهه والضجر والسأم بحوائجه التي يجب عليها فعلها من مقدمات الاستمتاع بأن تمتنع أو تتثاقل إذا دعاها إليه، لا مطلق حوائجه إذ لا يجب عليها قضاء حاجته التي لا تتعلق بالاستمتاع، أو تغير عادتها في أدبها معه قولا كأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كانت تجيبه بكلام لين، أو غير مقبلة عليه بوجهها بعد أن كانت تقبل عليه، أو فعلا كأن يجد منها إعراضا وعبوسا بعد لطف وطلاقة ونحو ذلك. إذا ظهرت تلك الأمارات وعظها أولا بلا هجر ولا ضرب فلعلها تبدى عذرا وتتوب عما جرى منها من غير عذر، والوعظ كأن يقول لها اتقى الله في الحق الواجب لى
(١) الروصة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجعبى العاملى جـ ٢ ص ١٢١، ص ١٢٢ بتصحيح الشيخ عبد الله السبيتى.