للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال: واحتج الجمهور في نفى الاشتراك اللفظى بأن الأمر لو كان مشتركًا بين القول لمخصوص والفعل لما سبق أحدهما إلى الفهم دون الآخر لأن تناول المشترك للمعانى على السواء. والأمر بخلافه وبأنه حقيقة في القول المخصوص فوجب أن يكون حقيقة في غيره دفعًا للاشتراك.

واحتج من قال بالاشتراك المعنوى: (١) بأن القول المخصوص والفعل مشتركان في عام كالشيئية والشأن فيجب جعل اللفظ المطلق عليهما وهو الأمر للمشترك بينهما دفعًا للاشتراك اللفظى والمجاز لأن كل واحد منهما خلاف الأصل.

ورأى الجمهور في نفى الاشتراك المعنوى بأنه لو كان مشتركًا بالاشتراك المعنوى لما فهم منه أحدهما عينًا عند الإطلاق لأن مسماه حينئذ أعم من كل واحد منهما ولا دلالة للحيوان على الإنسان.

ثم قال البزدوى: (٢) "إذا ثبت أصل الموضوع كان الأمر حقيقة" في صيغة أفعل دون الفعل "فتكون الصيغة لازمة إلا بدليل" يدل على استعمال الأمر في غير الصيغة. ألا ترى أن أسماء الحقائق لا يسقط عن مسمياتها أبدًا وأما المجاز فيصح نفيه؛ يقال للأب الأقرب أب لا ينفى عنه بحال ويسمى الجد أب ويصح نفيه. ثم هاهنا صح أن يقال: إن فلانًا لم يأمر اليوم بشئ مع كثرة أفعاله وإذا تكلم بعبارة الأمر لم يستقم نفيه. وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام حين خلع نعليه فخلع الناس نعالهم منكرًا عليهم: "ما لكم خلعتم نعالكم" وأنكر عليهم الموافقة في وصال الصوم فقال: "إنى أبيت يطعمنى ربى ويسقينى" فثبت بذلك أن صيغة الأمر لازمة.

ولا ننكر تسميته مجازًا لأن الفعل يجب به فسمى به مجازًا والنبى عليه الصلاة والسلام دعا إلى الموافقة بلفظ الأمر بقوله: "صلوا كما رأيتمونى أصلى" فدل على أن الصيغة لازمة. (٣)

ووضح ذلك فقال: (٤)

إذا ثبت أن لهذا المعنى عبارة موضوعة في أصل اللغة وهى صيغة "افعل" مثلًا كانت حقيقة في هذا المعنى لا محالة فتكون -الصيغة- لازمة له فيمتنع ثبوته بالفعل إلا بدليل يدل على الوجوب بدون الصيغة على خلاف الأصل.

ثم قال المصنف في شرح التقويم: الفعل لا يصلح أن يكون موجبا لأن الأمر لطلب الوجود من الغير والفعل وتحقيق الوجود ليس فيه دليل طلب الوجود فلا يكون سببا لطلب الوجود وإن دام على ذلك لأن ما لا يدل على طلب الوجود أصلا لا يدل عليه وإن كثر.

وعارض البزدوى ما احتج به المخالفون من السنة وهو ما روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "خلع النبي عليه الصلاة والسلام نعليه وهو يصلى فخلع من خلفه فقال: ما حملكم على خلع نعالكم؟ فقالوا رأيناك خلعت فخلعنا فقال: إن جبريل أخبرنى أن في إحداهما قذرا فخلعتهما لذلك فلا تخلعوا نعالكم".


(١) المصدر السابق جـ ١ ص ١٠٣.
(٢) المصدر السابق جـ ١ ص ١١٨.
(٣) المصدر السابق جـ ١ ص ١٠٦.
(٤) المصدر السابق ص ١٠٥.