للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى رواية أبى سعيد الخدرى: "بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلى بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى صلاته قال: ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك. قال: إن جبريل عليه السلام أتانى فأخبرنى أن فيهما قذرا. إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا فليمسحه وليصل فيهما.

وما روى أنه عليه الصلاة والسلام واصل فواصل أصحابه فأنكر عليهم ونهاهم عن ذلك وقال: وأيكم مثلى؟ يطعمنى ربى ويسقينى.

ففى إنكار النبي عليه الصلاة والسلام عليهم دليل واضح على أن فعله ليس بموجب إذ لو كان موجبا كالأمر لم يكن لإنكاره معنى كما لو كان أمرهم بذلك وامتثلوا به. (١)

قال الغزالى رحمه الله: إنهم لم يتبعوه في جميع أفعاله فكيف صار اتباعهم في البعض دليلا ولم يصر مخالفتهم في البعض دليلا.

وقول البزدوى: "لا ننكر تسمية الفعل بالأمر مجازا" جواب عن تمسك المخالفين بقوله تعالى {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} (٢) فمعناه أننا لا ننكر تسمية الفعل بالأمر مجازًا لأن الفعل يجب بالأمر فيجوز أن يسمى بالأمر إطلاقًا لاسم السبب على المسبب. على أنه قيل إن المراد من الأمر في الآية يقصد به القول بدليل قوله {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} (٣) أي أطاعوه فيما أمرهم والرشد الصواب وقد وصف القول به. (٤)

وقول البزدوى: والنبى عليه الصلاة والسلام دعا إلى الموافقة بلفظ الأمر بقوله "صلوا كما رأيتمونى أصلى" هو جواب عن تمسكهم بأن الحديث يدل على المتابعة والمتابعة إنما وجبت بقوله "صلوا" لا بالفعل ولو كان الفعل موجبًا بنفسه لما احتيج إلى قوله "صلوا" بعد قوله تعالى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (٥) كما لا يحتاج قوله افعلوا كذا إلى شئ آخر يوجب الامتثال به. وقد قال الغزالى في جوابه وجواب أمثاله: إن قوله عليه الصلاة والسلام: "صلوا كما رأيتمونى أصلى" وقوله: "خذوا عنى مناسككم" وقوله: "هذا وضوئى ووضوء الأنبياء من قبلى" بيان منه صلوات الله عليه أن شرعه وشرعهم فيه سواء ففهموا وجوب الاتباع بذلك لا بمجرد حكاية الفعل.

ثم قال البخارى: أما قولهم: اختلاف الجمع يدل على اختلاف المسمى فلا تمسك لهم فيه لأن الأمور جمع الأمر بمعنى الشأن والصفة لا بمعنى الفعل والأعواد والعيدان كلاهما جمع عود مطلقًا كذا في الصحاح أم الأوامر فقد ذكر في المعتمد أنها جمع آمرة لا جمع أمر وهو حق لأن فواعل في الثلاثى جمع فاعل اسما كـ كواهل أو فاعلة اسمًا وصفة كـ كوائب وضوارب فأما فعل فلم يجمع على فواعل ألبتة لكنه قيل أوامر جمع أمر مجازًا كأن صيغة افعل جعلت آمرة وجمعت على أوامر كما جمع نهى على نواه بهذا التأويل. ولهذا يقال: ما له ناهية أي نهى.


(١) المصدر السابق ص ١٠٥.
(٢) آية ٩٧ سورة هود.
(٣) آية ٩٧ سورة هود.
(٤) المصدر السابق ص ١٠٦.
(٥) آية ٩٢ سورة المائدة.