للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

احتج أبو الحسين ومن تبعه بأن المتضرع لا يصدق عليه أنه آمر بخلاف المستعلى ولهذا يذمونه لكونه يأمر من هو أعلى منه. ولقائل أن يقول: الزم لمجرد الاستعلاء ثم إن الاستعلاء غير متحقق في أمر الله تعالى. فماذا يقولون فيه؟ وشرط القاضي عبد الوهاب العلو والاستعلاء معًا. وأضاف أن أبا الحسين قد نص في المعتمد على أن الشرط هو انتفاء التذلل.

ثم أوضح الإسنوى معنى قول البيضاوى "ويفسرهما" إلخ فقال: إنه سبحانه أطلق الأمر على ما يقوله فرعون لقومه عند المشاورة. ومن المعلوم انتفاء العلو والاستعلاء. (١)

كما فرق بين العلو والاستعلاء بأن العلو أن يكون الطالب أعلى مرتبة من المطلوب منه وأما الاستعلاء فهو الطلب لا على وجه التذلل بل بغلظة ورفع صوت. فالعلو هيئة في المتكلم والاستعلاء هيئة في الكلام.

وبعد أن عرف البيضاوى الأمر بأنه "القول الطالب للفعل" قال: "إنه ليس حقيقة في غير ما ذكره" وأشار إلى أن بعضهم يرى أنه مشترك بين القول المذكور وبين الفعل لأنه يطلق عليه مثل قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} (٢) أي فعلنا لأن الأمر القولى مختلف صيغة ومدلولًا وقوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} (٣) أي فعله والأصل في الإطلاق الحقيقة. ورد عليهم بأن المراد بالأمر في المثالين الشأن مجازًا. (٤)

وبين الإسنوى فقال: لما ثبت أن لفظ الأمر حقيقة في القول المخصوص ذكر البيضاوى أنه لا يكون حقيقة في غيره أيضًا إذ لو كان في غيره لكان مشتركًا والأصل عدم الاشتراك. ونقل عن بعض الفقهاء أنه مشترك بين القول المخصوص والفعل. ونقل الأصفهانى في شرح المحصول عن ابن برهان أنه قول عامة العلماء مستدلين بأنه يطلق على الفعل كما يطلق على هذا القول. وذلك كما في قوله تعالى: أوما أمرنا إلا واحدة" أي فعلنا لأن الأمر القولى مختلف صيغة ومدلولًا ولقوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ} أي فعله والأصل في الإطلاق الحقيقة.

وجوابه أن المراد بالأمر في الآيتين المذكورتين هو الشأن مجازًا. وهو أولى من الاشتراك.

ووجه المجاز أن الشأن أعم من القول المخصوص والفعل فالتعبير عنه بالقول من باب إطلاق اسم الخاص وإرادة العام.

وقال أبو الحسين البصرى (٥) إنه مشترك بين خمسة أشياء أحدها القول المخصوص والثانى الشئ كقولنا تحرك هذا الجسم لأمر أي لشئ الثالث الصفة ودليله قول الشاعر:

عزمت على إقامة ذى صباح … لأمر ما يُسَوَّدُ من يسود

أي لصفة عظيمة من الصفات. والرابع الشأن


(١) المصدر السابق.
(٢) آية ٥٠ سورة القمر.
(٣) آية ٩٧ سورة هود.
(٤) المصدر السابق ص ٢٥١.
(٥) المصدر السابق ص ٣٥١.