للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويطلق حقيقة على "القول الطالب للفعل مطلقا" وإنما كان الإطلاق لأنه "هو المعنى الذي يتبادر الفهم إليه عند الإطلاق" ووضح أن كلمة "القول" جنس في التعريف يدخل فيه الأمر وغيره سواء كان بلغة العرب أم لا وسواء كان نفسانيًا أم لا كما صرح الأصفهانى شارح المحصول.

وعنده أن كلمة "القول" أولى من كلمة "اللفظ" لأن اللفظ جنس يعبر لإطلاقه على المهمل والمستعمل بخلاف القول فهو خاص بالمستعمل، ثم إن الكلام أخص من القول. لإطلاق القول على المفرد والمركب وأما الكلام فإنه خاص بالمركب "فالصواب التعبير بالكلام لأن لفظ الأمر وإن كان مفردًا فمدلوله لفظ مركب مفيد فائدة خاصة، واستفدنا من التعبير بالقول أن الطلب بالإشارة والقرائن المفهمة لا يكون أمرًا حقيقة، وقوله "الطالب" احترز به عن الخبر وشبهه وعن الأمر النفسانى فإنه الطلب لا الطالب لكن الطالب حقيقة إنما هو المتكلم؛ وإطلاقه على الصيغة مجاز من باب تسمية المسبب باسم سببه. (١)

وقوله "للفعل" احترز به عن النهى فإنه قول طالب للترك.

ولقائل أن يقول: النهى قول طالب للفعل أيضا ولكن فعل الضد وسيأتي في كلام البيضاوى حيث قال: مقتضى النهى فعل الضد ولهذا قيده ابن الحاجب بقوله "طلب فعل غير كف" لأن الفعل المطلوب بالنهى هو الكف عن المنهى عنه والكف فعل على الصحيح.

وأيضًا يرد على الحد قول القائل: أنا طالب منك كذا أو أوجبته عليك وإن تركته عاقبتك فإن الحد صادق عليه مع أنه خبر فلابد أن يضاف إليه قيد "بالوضع أو بالذات". وقد زاد في المحصول قيدًا آخر إذ قال في تعريفه: الحق في حده أنه اللفظ الدال على الطلب المانع من النقيض لما سيأتي أن الأمر حقيقة في الوجوب.

وعقب على ذلك بقوله: الصواب ما قاله المصنف فإن الذي هو حقيقة في الوجوب إنما هو صيغة افعل وكلامنا الآن في لفظ الأمر فهما مسألتان.

ثم ذكر البيضاوى (٢) أن المعتزلة تعتبر العلو قيدًا في تعريف الأمر وإن أبا الحسين اعتبر في تعريفه قيد الاستعلاء. ولم يوافقهما على ذلك فقال: ويفسرهما قوله تعالى {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} (٣).

ووضح الإسنوى ذلك فقال: (٤)

شرط المعتزلة في حد الأمر العلو دون الاستعلاء وتابعهم الشيخ أبو إسحق الشيرازى ونقله القاضي عبد الوهاب في الملخص عن أهل اللغة وجمهور أهل العلم واختاره ثم قال: وشرط أبو الحسين الاستعلاء دون العلو واشتراط الاستعلاء صححه الآمدى في الإحكام منتهى السول ثم ابن الحاجب ونقل عن المحصول أنه الصحيح وصححه أيضا في المنتخب وجزم به في المعالم.


(١) المصدر السابق ص ٢٤٨.
(٢) المصدر السابق ص ٢٤٧.
(٣) الآية ١١٠ سورة الأعراف.
(٤) المصدر السابق ص ٢٤٩.