ما ذكرنا فأسنهم فإن أم أحد بخلاف ما ذكرنا أجزأ ذلك إلا من تقدم بغير أمر السلطان على السلطان أو بغير أمر صاحب المنزل على صاحب المنزل فلا تجزئهم. وفى حديث مالك بن الحويرث رضى الله تعالى عنه إذا خرجتما فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكم أكبركما وكان في القراءة والفقه والهجرة سواء وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لرجلين أتياه يريدان السفر وعن أبى سعد الخدرى رضى الله تعالى عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم. وفى رواية أبى مسعود البدرى: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما (أي إسلاما) ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه.
وقد فسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الهجوة الباقية أبدا فيما روى عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" ولما قدم المهاجرون الأولون العُصْبة (موضع بقباء) قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يؤمهم سالم مولى أبى حذيفة وكان أكثرهم قرآنا فهذا فعل الصحابة رضى الله تعالى عنهم بعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا مخالف لهم من الصحابة في ذلك وما روى من إن ابن عمر قدم صهيبا فأساسه أن صهيبا صار أميرا مستخلفا من قبل الإمام فهو أحق الناس يومئذ لأنه سلطان. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أبو سلمة إذا "كانوا ثلاثة في سفر فليؤمهم أقرؤهم وإن كان أصغرهم سنا فإذا أمهم فهو أميرهم، رواه البخارى. قال أبو سلمة: فذاك أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما أجزنا إمامة من أم بخلاف ذلك لما روى عن أبى وائل عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها أن أبا بكر الصديق صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الضف. وعن أنس رضى الله تعالى عنه قال: آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع القوم صلى في ثوب واحد متوشحا به خلف أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه. وفى حديث المغيرة بن شعبة قال: أقبلت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى لهم فأدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إحدى الركعتين فصلى عليه الصلاة والسلام مع الناس الركعة الآخرة فلما سلم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتم صلاته فأفزع ذلك المسلمين فأكثروا التسبيح فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاته أقبل عليهم فقال: أحسنتم أو قد أصبتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها. رواه مسلم. وبهذين الخبرين يتبين أن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم فإن استووا فأفقههم فإن استووا فأقدمهم هجرة فإن استووا فأقدمهم سنا" ندب لا فرض لأنه عليه الصلاة والسلام أقرأ من أبى بكر وعبد الرحمن بن عوف وأفقه منهما وأقدم هجرة إلى الله تعالى منهما وأسن منهما، وبهذين الأثرين جازت الصلاة خلف كل مسلم وإن كان في غاية النقصان لأنه لا مسلم إلا ونسبته في الفضل والدين إلى أفضل المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقرب من نسبة أبى بكر وعبد الرحمن بن عوف وهما من أفضل المسلمين رضى الله