للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيجوز أن ينهى عنها حال عدم الشروط المعتبرة للصحة شرعا. قلت الأركان المخصوصة ليست مشروطة في الوجود الحسى بالطهارة، فليست هي مشروطات من غير شروط، ولا يمتنع تعلق النهى بها، وإنما يمتنع تعلق النهى بالحقيقة الشرعية المشروطة بالطهارة حال عدم الطهارة فإنها مستحيلة بالذات وصيغ النهى الواردة المتعلقة بالشرعيات إن علم فقدان شرط أو ركن بدليل آخر لا بأس بحمله على الأركان الحسية، وإلا فلا يصح الحمل عليها لأن الحقيقة أصل فلا تترك. وبهذا يندفع أيضا ما لو قيل: سلمنا أن الحقيقة الشرعية بدون الشروط محالة، لكن لمَ لا يجوز أن يكون النهى المتعلق هاهنا عن الأركان الحسية وتكون باطلة في نظر الشارع فيتم مقصودهم بأن النهى مطلقا يوجب الفساد وذلك الاندفاع بأن الحمل على الأركان الحسية مجاز فلا يصار إليه بالضرورة، وقد يقرر مقصودهم بأن الحقائق الشرعية عبارة عن الأركان المخصوصة، وهى قد توجد بدون الشروط الشرعية وجعلت موجبة لثمرات مخصوصة لكن لا مطلقا بل إذا كانت مع شرائط مخصوصة، فالشرائط ليست لوجود تلك الحقيقة بل لترتب الثمرات المخصوصة فوجودها بدون تلك الشرائط ممكن لكنه لا يترتب عليها حينئذ تلك الثمرات. والنهى المتعلق بها عند عدم وجود الشراط نهى عن أمور ممكنة بالذات قد استحال ترتب الثمرات عليها وهو مرادهم بالممتنع وهو كاف لمقصودهم من إيجاب الفساد الذاتى للنهى مع أن الأئمة الثلاثة رضى الله عنهم صرحوا بأن الفاتحة ركن للصلاة وتركها موجب للبطلان، وجوزوا تعلق النهى بها، وهذا صريح في أنهم يجوزون كون الصلاة إن كانت متروكة منهيا عنها مع أن الشئ منفك عن الجزء ممتنع بالذات. وأورد ثانيًا النقض بنحو قوله - صلى الله عليه وسلم - "دعى الصلاة أيام أقرائك" (١) وتدع الصلاة أيام أقرائها، وهذا في معنى النهى، وقد تعلق بالصلاة المقارنة عدم الشرط وحاصله النقض بالنهى المتعلق بالشئ المقارن عدم الشرط والركن فلا تنفع المنافشة في هذا المثال الخاص. قلنا مثله محمول على بيان الانتفاء أيام الأقراء، يعنى النهى مجاز عن النفى، فالمعنى ليس تتحقق صلاة في أيام الأقراء، وهذا تصرف في صيغة النهى. أو قلنا النهى راجع إلى الإِيقاع والعزم عليه لا إلى الفعل، فالمعنى دعى عزم الصلاة أيام أقرائك فإنه لا تتحقق الصلاة فيها، والعزم على المحال ممكن عند عدم الاعتقاد بالاستحالة، بل معها أيضا وإن كان من غير فائدة، وإنما حملنا على أحد هذين المجازين تقديما للعقل باستحالة تعلق النهى الحقيقى بالصلاة الحقيقية في تلك الأيام على النقل الوارد فيه النهى متعلقا في تلك الأيام فأول بأحد التأويلين. وقد يجاب بأن المراد بالصلاة الشبيه بها من القيام والقعود والسجود وغير ذلك، وهى أفعال حسية لا يقتضى النهى عنها الصحة وهى أمور ممكنة أيضا، لكن هذا إنما يتم لو كانت الحائضة الأمية والخرساء لو أتت بهذه الأركان من غير نية وعزم على الصلاة كانت آثمة، وما وجد رواية صريحة فيها، فبيع الحر والمضامين - وهى ما كان في صلب الآباء من النطفة - والملاقيح (٢) وما أشبه ذلك كبيع الميتة كلها منفيات، أي ليست بيوعا، والنهى الوارد


(١) رواه الترمذى وأبو داود.
(٢) الملاتيح ما كان في رحم الأم من الحبل.