للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يراه الناس أهلا للفتوى وقال سحنون الناس هنا هم العلماء قال ابن هرمز ويرى هو نفسه أهلا لذلك وما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكا وهذا شأن الفتيا فى الزمن المتقدم وأما اليوم فقد خرق هذا السياج وهان على الناس أمر دينهم فتحدثوا فيه بما يصلح وما لا يصلح ولسوا عليهم اعترافهم بجيلهم وأن يقول أحدهم لا أدرى فلا جرم آل الحال بالناس الى هذه الغاية بالاقتداء بالجهال والمجترئين على دين الله تعالى، وأما العامى (١) اذا عرف حكم حادثة بدليلها فهل له أن يفتى به ويسوغ لغيره تقليده ففيه أوجه للشافعية وغيرهم، أحدها لا يجوز مطلقا لعدم أهلية لذلك وعدم علمه بشروطه وما يعارضه ولعله يظن ما ليس بدليل دليلا وهذا هو الأصح فى بحر الزركشى، ثانيها: نعم يجوز مطلقا لأنه قد حصل له العلم كما للعالم وتميز العالم عنه لقوة يتمكن بها من تقرير الدليل ودفع المعارض له أمر زائد على معرفة الحق بدليله، ثالثا: ان كان الدليل كتابا أو سنة جاز والا لم يجز لأنهما خطاب لجميع المكلفين فيجب على المكلف العمل بما وصل اليه منهما وارشاد غيره اليه، رابعهما: ان كان نقليا جاز والا فلا قال السبكى وأما العامى الذى عرف من المجتهد حكم مسألة ولم يدر دليلها كمن حفظ‍ مختصرا من مختصرات الفقه فليس له أن يفتى ورجوع العامى اليه اذا لم يكن سواه أولى من الارتباك فى الحيرة وكل هذا فيمن لم ينقل عن غيره أما الناقل فلا يمنع فاذا ذكر العامى أن فلانا المفتى أفتانا بكذا لم يمنع من نقل هذا القدر أهـ‍. لكن ليس للذكور له العمل به على ما فى الزركشى لا يجوز للعامى أن يعمل بفتوى مفت لعامى مثله أفاد جميع هذا أمير الحاج فى موضعين من شرحه على التحرير الأصولى مع زيادة وتوضيح المقام على ما يرام أن الافتاء كان فى القرون الثلاثة التى شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم من خواص المجتهد المطلق ضرورة أن الاجتهاد استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم والفقيه هو المجتهد المطلق. وفى المجموع للنووى (٢): تعليم الطالبين وافتاء المستفتين فرض كفاية فان لم يكن هناك من يصلح الا واحد تعين عليه وان كان جماعة يصلحون فطلب ذلك من أحدهم فامتنع فهل يأثم؟ ذكروا وجهين فى المفتى والظاهر جريانهما فى المعلم وهما كالوجهين فى امتناع أحد الشهود والأصح لا يأثم ثم قال فى موضع آخر (٣): والافتاء فرض كفاية فاذا استفتى وليس من الناحية غيره تعين عليه الجواب فان كان فيها غيره وحضروا فالجواب فى حقهم فرض كفاية وان لم يحضر غيره فوجهان أصحهما لا يتعين والثانى يتعين ولو سأل عامى عما لم يقع لم يجب جوابه وفى الاقناع (٤): كان السلف الصالح يأبون الفتيا ويشددون فيها ويتدافعونها وأنكر أحمد وغيره على من يهجم على الجواب وقال لا ينبغى أن يجيب فى كل ما يستفتى فيه وقال اذا هاب الرجل شيئا لا ينبغى أن يحمل على أن يقول وقال لا ينبغى للرجل أن يعرض نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال احداها أن تكون له نية فان لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور. الثانية أن يكون له حلم ووقار وسكينة، الثالثة: أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته الرابعة: الكفاية والا بغضه الناس، الخامسة: معرفة الناشئ، ثم


(١) انظر تهذيب الفروق للقرافى ج‍ ٢ ص ١١٨ وما بعدها فى كتاب الطبعة السابقة.
(٢) انظر المجموع شرح المهذب للامام الفقيه الحافظ‍ أبى زكريا محيى الدين المتوفى سنة ٢٣ هـ‍ ويليه تلخيص الخبير فى تخريج احاديث الرافعى الكبير للامام الحافظ‍ الحجة أبى الفضل أحمد بن على بن فخر العسقلانى المتوفى ٨٥٢ هـ‍، وما بعدها طبع مطابع مطبعة التضامن الأخوى الدمشقى.
(٣) انظر المجموع شرح المهذب ج‍ ١ ص ٤٥ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٤) انظر الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل تأليف قاضى دمشق العلامة المتجر شيخ الاسلام المحقق أبى النجا شرف موسى الحجاوى المقدسى المتوفى سنة ٩٦٨ هـ‍ ج‍ ٤ ص ٣٧٠، ص ٣٧١ وما بعدها طبع مطابع المطبعة الأزدرية بمصر.