للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أفتانى المفتى بأن الحق معى والخصم جاهل لا يدرى ما فى الفتوى فلا بد أن يكون المفتى متيقظا يعلم حيل الناس ودسائسهم فاذا جاءه السائل يقرره من لسانه ولا يقول له ان كان كذا فالحق معك وان كان كذا فالحق مع خصمك لأنه يختار لنفسه ما ينفعه ولا يعجز عن اثباته بشاهدى زور بل الأحسن أن يجمع بينه وبين خصمه فاذا ظهر له الحق مع أحدهما كتب الفتوى لصاحب الحق والتحرز من الوكلاء فى الخصومات فان احدهم لا يرضى الا باثبات دعواه بأى وجه أمكن ولهم مهارة فى الحيل والتزوير وقلب الكلام وتصوير الباطل بصورة الحق فاذا أخذ الفتوى قهر خصمه ووصل الى غرضه الفاسد فلا يحل للمفتى أن يعينه على ضلاله وقد قالوا من جهل بأهل زمانه فهو جاهل.

وقد يسأل عن أمر شرعى وتدل القرائن للمفتى المتيقظ‍ أن مراده التوصل به الى غرض فاسد كما شهدناه كثيرا والحاصل أن غفلة المفتى يلزم منها ضرر عظيم فى هذا الزمان والله تعالى المستعان.

وفى البحر الرائق (١): ليكن المفتى متنزها عن خوارم المروءة فقيه النفس سليم الذهن حسن التصرف ويحرم عليه التساهل فى الفتوى واتباع الحيل ان فسدت الأغراض، وان سئل عن (٢) الاخوة فصل فى جوابه ابن الأبوين أو لأب أو لأم وان كان فى الفريضة عول قال الثمن عائلا وان كان فى الورثة من يسقط‍ بحال دون حال بينه ويكتب تحت الفتوى الصحيحة ان عرف أنها لأهل الجواب صحيح ونحوه وله أن يجيب ان رأى ذلك ويختصر وان جهل حاله فان لم يظهر له فله أمره بابدالها فان تعسر أجاب بلسانه ولا يجوز له الافتاء بالقول المهجور ولجر منفعة ولا يرجو عليه دينا ويقرأ المسألة بالبصيرة مرة بعد مرة حتى يتضح له السؤال ثم يجيب واذا لم يتضح السؤال سأل عن المستفتى.

وفى الفروق للقرافى (٣): كل شئ أفتى فيه لمجتهد فخرجت فتياه فيه على خلاف الاجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلى السالم عن المعارض الراجح لا يجوز للمقلد أن ينقله للناس ولا يفتى به فى دين الله تعالى فان هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه وما لا نقره شرعا بعد تقرره بحكم الحاكم أولى لا تقره شرعا اذا لم يتأكد وهذا لم يتأكد فلا نقره شرعا والفتيا بغير شرع حرام فالفتيا بهذا الحكم حرام.

وفى الحطاب (٤): لا يجوز للمفتى أن يتساهل فى الفتوى ومن عرف بذلك لم يجز ان يستفتى والتساهل قد يكون بأن لا يتثبت ويسرع بالفتوى أو الحكم قبل استيفاء حقه من النظر والفكر وربما يحمله على ذلك توهمه أن الاسراع براعة والابطاء عجز ولأن يبطئ ولا يخطئ بخطئ أجمل به من أن يعجل فيضل ويضل.

وقد يكون تساهله بأن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحظورة أو المكروهة بالتمسك بالشبه طلبا للحرص على من يروم نفعه أو التغليظ‍ على من يروم ضره.

قال ابن الصلاح ومن فعل ذلك فقد هان عليه دينه قال وأما اذا صح قصد المفتى واحتسب فى طلبه حيلة لا شبهة وفيها لا تجر الى مفسدة ليخلص بها المفتى من ورطة يمين أو نحوها فذلك حسن جميل.

وقال القرافى اذا كان فى المسألة قولان أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تسهيل فلا ينبغى للمفتى


(١) انظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم وبهامشه الحواشى المسماه بمنحة الخالق ج‍ ٦ ص ٢٩٠، ٢٩١ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) المرجع السابق لابن نجيم وبهامشه حاشية ابن عابدين ج‍ ٦ ص ٢٩٣ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٣) انظر الفروق للقرافى ج‍ ٢ ص ١٠٩ الطبعة السابقة.
(٤) انظر مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل فى كتاب ج‍ ٦ ص ٩١، ٩٢ وما بعدها الطبعة السابقة.