للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يفتى العامة بالتشديد والخواص وولاة الأمور بالتخفيف وذلك قريب من الفسوق والخيانة فى الدين والتلاعب بالمسلمين وذلك فراغ القلب من تعظيم الله تعالى واجلاله وتقواه وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب الى الخلق دون الخالق نعوذ بالله من صفات الغافلين والحاكم كالمفتى فى هذا.

وفى المجموع (١): أنه يحرم التساهل فى الفتوى ومن عرف به حرم استفتاؤه فمن التساهل أن لا يتثبت ويسرع فى الفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر فان تقدمت معرفته بالمسئول عنه فلا بأس بالمبادرة وعلى هذا يحمل ما نقل عن الماضيين من مبادرة ومن التساهل أن يحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة والتمسك بالشبه طلبا للترخيص لمن يروم نفعه أو التغليظ‍ على من يريد ضره.

وأما من صح قصده فاحتسب فى طلب حيلة لا شبهة فيها للتخليص من ورطة يمين ونحوها فذلك حسن جميل وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا لقول سفيان انما العلم عندنا الرخصة من ثقة فأما التشديد فيحسنه كل أحد ومن الحيل التى فيها شبهة ويذم فاعلها الحيلة السريجية فى سد باب الطلاق.

وفى المجموع (٢) أيضا: أنه لا يجوز أن يفتى فى الايمان والاقرار ونحوهما مما يتعلق بالألفاظ‍ الا أن يكن من أهل بلد اللافظ‍ أو متنزلا منزلتهم فى الخبرة بمرادهم من ألفاظهم وعرفهم فيها.

وجاء فى موضع آخر (٣): أنه ليس للمفتى أن يكتب الجواب على ما عمله من صورة الواقعة اذا لم يكن فى الوقعة تعرض له بل يكتب جواب ما فى الوقعة فان أراد جواب ما ليس فيها فليقل ان كان الأمر كذا فجوابه كذا واستحب العلماء أن يزيد على ما فى الوقعة ماله تعلق بها مما يحتاج اليه السائل لحديث «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» ليتأمل (٤) الوقعة تأملا شافيا وآخرها أكد أن السؤال فى آخرها وقد يتقيد الجمع بكلمة فى آخرها ويغفل عنها:

قال الصيمرى قال بعض العلماء ينبغى أن يكون توقفه فى المسألة السهلة كالصعبة ليعتاده وكان محمد بن الحسن يفعله واذا وجد كلمة مشتبهة سأل المستفتى عنها ونقلها وشكلها وكذا ان وجد لحنا فاحشا أو خطأ يحمل المعنى أصلحه وان رأى بياضا فى أثناء سطر أو آخره خط‍ عليه أو شغله لأنه ربما قصد المستفتى به الايذاء فى البياض بعد فتواه ما يفسدها كما يلى به القاضى أبو حامد المروزى ثم قال فى موضع آخر (٥): اذا ظهر للمفتى أن الجواب خلاف غرض المستفتى وأنه لا يرضى بكتابته فى ورقته فليقتصر على مشافهته بالجواب وليحذر أن يميل فى فتواه مع المستفتى أو خصمه.

ووجوه الميل كثيرة لا تخفى ومنها أن يكتب فى جوابه ما هو له ويتحرك ما عليه وليس له أن يبدأ فى مسائل الدعوى والبينات بوجوه المخالص منها.

واذا سألهم أحدهم وقال بأى شئ تندفع دعوى كذا وكذا أو بينة كذا وكذا ولم يجبه كيلا يتوصل بذلك الى ابطال حق وله أن يسأل عن حاله فيما أدعى عليه فاذا شرحه له عرفه بما فيه من دافع وغير دافع.

قال الصيمرى وينبغى للمفتى اذا رأى للسائل طريقا يرشده اليه أن ينبهه عليه يعنى ما لم يضر


(١) انظر المجموع شرح المهذب للامام العلامة أبى زكريا محيى الدين شرف النووى ج‍ ١ ص ٤٦ الطبعة السابقة.
(٢) المرجع السابق شرح المهذب لابن شرف النووى ج‍ ١ ص ٤٦ طبع مطابع مطبعة التضامن الأخوى.
(٣) المرجع السابق لأبى زكريا محيى الدين بن شرف النووى ج‍ ١ ص ٤٨ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٤) المرجع السابق شرح المهذب للنووى ج‍ ١ ص ٤٨ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٥) المرجع السابق شرح المهذب للنووى ج‍ ١ ص ٥٠ وما بعدها الطبعة السابقة.